الحريري يقدم لعون تشكيلة حكومة الفرصة الأخيرة
قدم رئيس الوزراء اللبناني المكلف سعد الحريري اليوم الأربعاء للرئيس ميشال عون تشكيلة حكومية جديدة من 24 وزيرا، فيما ينتظر الرد غدا الخميس لإنهاء ما يقرب من تسعة أشهر من الجمود السياسي ووقف الانهيار الاقتصادي.
ونقلت وكالة ‘سبوتنيك’ الروسية للأنباء عن النائب اللبناني قاسم هاشم قوله إن “الرئيس سعد الحريري أمهل عون للغد لإعلان موقفه من التشكيلة”، متوقعا أن يكون الجو العام سلبيا خاصة في ظل قصر وقت الزيارة، ما يشير إلى أن الأجواء لاتزال مشحونة.
وتابع أن “اتجاه الأمور يتوقف على ما يدور في اللقاء وإن لم تكن المحادثات جيدة من الممكن أن يعلن الحريري اعتذاره عن تشكيل الحكومة، في حد أقصاه مساء الغد وخلال المقابلة التلفزيونية”.
وردا على سؤال حول إمكانية قبول عون بالتشكيلة الحكومية الجديدة من عدمه، قال قاسم هاشم “هذا يتوقف على الاتصالات التي تجرى الليلة وحتى الغد، لكن التفاؤل أكثر من حذر”.
وهناك خلافات بين عون والحريري حول المناصب الوزارية، حيث اتهم الأخير الرئيس اللبناني بأنه يتمسك بالثلث المعطل، فيما وجه عون انتقادات لرئيس الوزراء المكلف واتهمه بالسعي للتفرد بتشكيل الحكومة دون تنسيق ومشاورات مع الرئاسة.
وتسببت الخصومة بين راسي السلطة في حالة من الجمود السياسي، بينما يرزح لبنان تحت وطأة أسوأ أزمة اقتصادية ويقف البلد صاحب أعلى دين في العالم على حافة الانهيار الشامل.
والتشكيلة الحكومية التي قدمها الحريري الأربعاء لعون هي الثانية منذ تكليفه في أكتوبر/تشرين الأول 2020، حيث سبق أن قدم حكومة اختصاصيين مصغرة من 18 وزيرا، لكن الخلافات مع عون وأدت المقترح السابق.
وتقول مصادر إن مطالب الثنائي الشيعي: حزب الله وأمل وحليفهما التيار الوطني الحر بقيادة جبران باسيل صهر الرئيس عون، عرقلت جهود تشكيل الحكومة سواء في عهد رئيس الوزراء المكلف سابقا مصطفى أديب الذي اضطر للتخلي عن المهمة أو في عهد الحريري الذي يكابد لتمرير تشكيلة من اختصاصيين يطالب بها المجتمع الدولي.
ويقول حزب الله إن تشكيل حكومة اختصاصيين لن يكتب له النجاح فأي حكومة تحتاج إلى حزام سياسي. ولبنان محكوم بمنظومة المحاصصة الطائفية وهي المنظومة التي باتت مرفوضة من الحراك اللبناني حيث يتهمها بالفساد المالي والسياسي.
والحريري على خلاف مع عون حول تشكيل الحكومة الجديدة منذ تكليفه في أكتوبر تشرين الأول. وقال الحريري بعد اجتماع مع عون “لقد مرت تسعة أشهر على محاولات تشكيل الحكومة، والآن جاء وقت الحقيقة، وبإذن الله غدا سنعرف”.
ولبنان بلا حكومة منذ استقالة حكومة حسان دياب في أعقاب انفجار الرابع من أغسطس/آب في مرفأ بيروت الذي أودى بحياة أكثر من 200 شخص وتسبب في إصابة الآلاف ودمر أحياء بأكملها في وسط العاصمة.
ويواجه لبنان انهيارا اقتصاديا وصفه البنك الدولي بأنه أحد أسوأ حالات الركود في التاريخ المعاصر.
زيارة الحريري لعون كانت قصيرة ما يشير إلى أن الأجواء لاتزال مشحونة
ودفعت الأزمة المالية أكثر من نصف السكان إلى الفقر وشهدت تراجع قيمة العملة بأكثر من 90 بالمئة خلال نحو عامين، كما ساهمت الأزمة السياسية في تدهور الأوضاع.
وعلى مدى الأشهر الماضية قدم السياسي السني المخضرم الحريري، عدة مقترحات إلى عون حليف جماعة حزب الله الشيعية المدعومة من إيران، لكن الرجلين لم يتمكنا من الاتفاق على تشكيلة حكومية في ظل غرق لبنان في انهيار اقتصادي أعمق.
وقال الحريري “بالنسبة لي، فإن هذه الحكومة بإمكانها النهوض بالبلد والبدء بالعمل جديا لوقف الانهيار وتمنيت جوابا من فخامة الرئيس غدا لكي يبنى على الشيء مقتضاه”.
والاقتراح الحكومي الذي قدمه الحريري يتكون من 24 وزيرا مختصا تماشيا مع المبادرة الفرنسية التي تصورت تشكيل حكومة قادرة على سن إصلاحات من شأنها أن تطلق المساعدات الخارجية التي تشتد الحاجة إليها لإنقاذ البلاد.
وفي ظل نظام تقاسم السلطة الطائفي، يجب أن يكون رئيس لبنان مسيحيا مارونيا ورئيس الوزراء مسلما سنيا ورئيس البرلمان شيعيا.
والتقى الحريري بالرئيس عون فور عودة رئيس الوزراء المكلف من زيارة إلى القاهرة، حيث التقى بالرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ومسؤولين كبار آخرين.
ويُنظر إلى اقتراح اليوم الأربعاء على أنه المحاولة الأخيرة للحريري لتشكيل الحكومة، حيث كان من المتوقع أن يتخلى عن جهود تشكيل الحكومة بعد زيارته.
وقالت الرئاسة المصرية في بيان إن السيسي رحب برئيس الوزراء اللبناني المكلف في العاصمة المصرية، مؤكدا “دعم مصر الكامل للمسار السياسي للحريري الذي يهدف لاستعادة الاستقرار في لبنان والتعامل مع التحديات الراهنة فضلا عن جهود تشكيل الحكومة”.
وذكرت قناة الحدث نقلا عن مصادر لم تكشف عنها أن مصر طالبت الحريري بعدم الاعتذار عن تشكيل الحكومة وذلك وسط تكهنات بأنه سيعتذر عن تشكيل الحكومة هذا الأسبوع.
وقالت القناة إن القاهرة سترسل أيضا وفدا رفيع المستوى إلى بيروت قريبا لدعم جهود تشكيل حكومة تضع خارطة طريق لحل الأزمة في لبنان.
وكانت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي قد طالبا ساسة لبنان بتسريع جهود حل الأزمة وتشكيل حكومة قادرة على إنقاذ البلاد وتنفيذ إصلاحات تطالب بها الجهات المانحة شرطا للإفراج عن قروض وهبات بمليارات الدولارات.
ومارست واشنطن وبروكسل بدفع من فرنسا ضغوطا على ساسة لبنان من خلال التلويح بفرض عقوبات على معطلي حل الأزمة السياسية.
وليس واضحا ما إذا كان تقديم الحريري تشكيلة حكومته الجديدة على صلة بالتهديدات الأميركية والأوروبية أو أنها تأتي في سياق تخفيف التوتر بين عون والحريري وضمن توافقات بين القوى السياسية.