عندما وُقع اتفاق ستوكهولم بشأن وقف إطلاق النار في الحديدة اعتبره البعض وربما الكثيرون اختراقاً في مسار تسوية الصراع الدائر في اليمن، ولم لا وهذه هي المرة الأولى التي يتفق فيها طرفا الصراع على شيء أياً كانت أهمية هذا الشيء فضلاً عن النظرة المتفائلة إلى «استراتيجية» الخطوة خطوة كوسيلة لتفكيك الصراعات المعقدة، غير أنه سرعان ما ثارت الشكوك حول مدى الالتزام بالاتفاق أصلاً والتقدم في تنفيذه، فهل من نهج موضوعي للتحقق من جدارة هذا الاتفاق وتقييم عملية تطبيقه؟ في الواقع أنه ليس هناك ما هو أفضل من وثائق الأمم المتحدة ذاتها التي يُفترض أنها تتحرى أقصى قدر من الدقة والموضوعية، ولدينا في هذا الصدد وثيقتان ذات صلة الأولى تقرير الأمين العام للأمم المتحدة بتاريخ 5 يناير الجاري المقدم إلى مجلس الأمن بشأن قراره رقم 2451 الخاص بالاتفاق والإحاطة التي قدمها المبعوث الدولي لليمن مارتن جريفيث إلى المجلس بتاريخ 9 يناير الجاري.
ويُظهر إمعان النظر في تقرير الأمين العام مدى تواضع النتائج التي تحققت والأخطر من ذلك سوء نوايا «الحوثيين»، فمع أن الأمين العام اعتبر أن الاجتماع الأول المشترك للجنة تنسيق إعادة انتشار القوات بين ممثلي حكومة اليمن و«الحوثيين» مناسبة «تاريخية» إلا أن مضمون التقرير يتناقض تناقضاً صارخاً مع هذا الوصف، فهو يعترف بأن المناقشات بشأن تدابير بناء الثقة لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية شائكة بما يكشف انعدام الثقة بين الطرفين، ويشير بوضوح إلى مسؤولية «الحوثيين» في هذا الصدد، فقد وافق الطرفان على اقتراح رئيس اللجنة بفتح طريق الحديدة صنعاء من الميناء حتى الكيلو16 وعلى طرائق لحركة قافلة مساعدات إنسانية على طول الطريق، غير أن الاتفاق لم يُنفذ لأن «الحوثيين» وفقاً للتقرير لم يكونوا على استعداد لذلك، وفي ما يخص إعادة انتشار القوات في ميناء الحديدة فقد قام به «الحوثيون» من طرف واحد ودعوا الأمم المتحدة للتحقق مما تم، ويقول التقرير إن رئيس اللجنة قد رحب بهذا الجهد! مع أنه يعلم أنه تصرف خاطئ بدليل تشديده وفقاً للتقرير على أن عملية إعادة الانتشار لن تكون ذات مصداقية إذا لم تتم وفقاً للطرائق المتفق عليها بين الطرفين وإذا لم يتمكن كلا الطرفين والأمم المتحدة من رصد العملية والتأكد من أنها قد جرت وفقاً لاتفاق ستوكهولم.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد إذ لم تتمكن لجنة تنسيق إعادة الانتشار من التحقق من انتهاكات وقف إطلاق النار، وكل ما فعلته أنها ناقشت معايير ما يُعَد انتهاكاً والآليات الأنسب للاتصال والتنسيق للتحقق من الانتهاكات، وفي إطار الخطة التي وضعها برنامج الأغذية العالمي لإدارة موانئ الُحديدة والصليف ورأس عيسى عين البرنامج إدارة للمشروع لم يتلق موظفوها حتى تقديم التقرير التأشيرات اللازمة للدخول من «حكومة» صنعاء،
كذلك لم تتم الموافقة على دخول أي معدات للأمم المتحدة بما في ذلك المركبات المصفحة ومعدات الاتصالات والحماية الشخصية، ويضيف التقرير أن ثمة قيوداً على أماكن الإقامة الخاصة بموظفي الأمم المتحدة في الحديدة، ولا يفوتنا في مجال تقييم مدى التقدم الإشارة إلى عدم إنجاز خطوة الإفراج المتبادل عن الأسرى، ورغم ذلك كله فإن الأمين العام يعرب في نهاية تقريره عن شعوره بالتفاؤل لأن الطرفين «مازالا ملتزمين بتنفيذ اتفاق ستوكهولم» وبالارتياح خصوصاً «لحسن نية الطرفين»!
أما الإحاطة التي قدمها المبعوث الدولى لمجلس الأمن فلا تستحق الذكر، فهو ممتن لترحيب الرئيس هادي وعبد الملك الحوثي بما تم وعزمهما على مواصلة الطريق! ولا يسجل إنجازاً سوى انخفاض مستوى العنف والنشر السريع لفريق المراقبة الذي لم يتمكن حتى الآن من رصد أي انتهاك، ويكتفي جريفيث بـ«حث» الطرفين على التعاون مع قائد فريق المراقبة وبالحديث عما تم الاتفاق عليه بخصوص تعز وعن سكانها وآمالهم وعمله على تكوين آلية مجتمع مدني بمشاركة المرأة! وعن وضع اللمسات الأخيرة على اتفاق تبادل الأسرى.
ومن الواضح أن هذا التقدم المحدود في عملية السلام في اليمن يرجع أولاً إلى عدم التزام «الحوثيين» ومراوغتهم، وثانياً إلى عدم صرامة الأمم المتحدة في التصدي لمخالفاتهم، وثالثاً وأخيراً إلى مدى سلامة نهج الخطوة خطوة أو التعامل الجزئي مع الصراعات المعقدة، ويستحق توضيح هذه النقاط حديثاً إضافياً.
المصدر: الاتحاد