رمضان والتلفاز
د.عبدالعزيز المقالح
لا شيء يشغل الناس في هذا الشهر الكريم كالتلفاز، فنحن نتنقل من قناة إلى أخرى، ومن مسلسل إلى آخر، كما لا يحدث في أي شهر آخر، ويبدو أن الكُتَّاب والمخرجين يراعون هذه المناسبة الكريمة فيعدون لها ما يستطيعون.
واللافت أن ما يُقدم في هذه القنوات لا يخلو من المشاكسات، ومن صراعات تتغير من قناة إلى أخرى.
ويلاحظ أن بعض المسلسلات قد تم إعدادها في فصل الصيف، ولهذا فإن معظم الأبطال والبطلات يسبحون ويمرحون وتتحول المسابح إلى ملتقى للصغار والكبار، ويكون أثرها على المشاهد عكس ما أراده المؤلف، فهو يشاهد تلك الأعمال في فترة الشتاء.
كما يلاحظ أيضًا أن أكثر أبطال هذه المسلسلات من الأطفال، وكأنها قد أعدت لهم ومن أجلهم، كما أن المسلسلات المعدة في هذه الظروف لا تخلو من الإشارة إلى وباء “الكورونا” المنتشر في أرجاء المعمورة، وما يثيره من رعب في أكثر دول العالم تقدمًا وقدرة على تحدي الوباء.
وهناك من الكُتاب والمخرجين من يعدون لهذه المناسبة أعمالاً قبل الوقت المحدد بشهور، ويحظى بعض الممثلين فيها بمكانة خاصة لدى المخرجين والكُتاب ولدى المشاهدين المتابعين لهذه الإنجازات الفنية.
وإذا راجعنا ما كتب في المسلسلات الرمضانية، فسوف ندرك أن الإعداد لها تم قبل ظهور الوباء، ورغم ذلك فإن الاعتماد على شخصية الممثل هي الأساس في كثير من المسلسلات.
وليس غريبًا أن يكون النجم المعروف عادل إمام هو أكثر الممثلين حظوة واهتمامًا لدى المخرجين بوصفه فنانًا يشد الجمهور ويكسب للقنوات أنصارًا ومشاهدين، كما هو الحال مع القنوات التي تستفيد منه ومن أسلوبه في التمثيل، وهذا لا يعني أنه لا مكان للفنانين الآخرين إلى جوار عادل إمام، فهم يمثلون وحدة فنية منسجمة.
وتؤكد الأيام الأولى من رمضان الكريم أن القنوات نجحت في تقديم ما يثير المشاهد رغم كابوس الوباء المخيف. وميزة الفن أنه يحملنا بعيدًا عن مشكلاتنا العالقة، ويجعلنا مشدودين إلى التنافس الذي نجحت القنوات في إبعاد المشاهدين عن حالته الراهنة بما تحمله من مخاوف.
ومَن يتابع القنوات منتقلاً من قناة إلى أخرى، يجد مدى التأثير الذي يحققه التلفاز في العبور من فوق مشكلات الواقع والانشغال بمشكلات فنية من صنع الكاتب والمخرج والممثل.
ويلاحَظ في ما قُدم في الأيام الأولى من رمضان أن الأقطار العربية، من مصر إلى المغرب العربي إلى العراق، تسهم جميعها في هذا العمل الفني المتكامل، وقد مرت سنوات لم تكن هذه الشعوب مساهمة كما هي اليوم، فقد أظهرت من المواهب الفنية ما كان محجوبًا.
وما لفت انتباهي بصفة خاصة، أن اللغة المستخدمة في هذه المسلسلات هي اللغة المقبولة والمؤثرة. كما أنها لم تعد تعتمد على الفنانين الكبار فحسب، بل صارت تهتم بالأجيال الجديدة التي توحي بأنها تحمل خامات فنية قادرة على أن يكون لها مستقبل في هذا المجال الفني الذي أخذ في السنوات الأخيرة بالتطور، وحقق ما لم يكن في الحسبان، مما يعني أن فن التمثيل في بلادنا العربية يسير من نجاح إلى نجاح، ومن تطور إلى تطور، ومن متابعتي الشخصية أستطيع أن أدرك الفرق بين ماضي التمثيل في بلادنا العربية وحاضره ومستقبله، وسوف تثبت الأيام هذا الأمل بالواقع لا بالخيال.