الحياةاهم الاخبارفضاء

هذا ماسيحدث في اليمن خلال الأيام القادمة..

المصدر: المعهد الامريكي للسلام

 

لقد كان اليمن مسرحاً خطيراً ومأساويًا على نحو متزايد في المواجهة ما بين إيران والولايات المتحدة، و(حلفائهما) في الشرق الأوسط، حيث كانت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة قد تدخلتا على رأس تحالف من جهة، ضداً على، الحوثيين   من جهة أخرى. م

ا الذي سيحدث في اليمن بعد مقتل سليماني، وتصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وإيران؟ وكيف يمكن أن تكون الحرب الأهلية في اليمن بمنأى عن التداعيات الإقليمية؟

راجت أنباء في أواخر الأسبوع الماضي مفادها أن الولايات المتحدة استهدفت أيضاً عبد الرضا شهلائي، أحد كبار قادة فيلق القدس، في اليمن. ولو أن الضربة نجحت، لكان من شبه المؤكد أن الحوثيين أو غيرهم من القوات في اليمن قد ردوا، بما ينذر بتواتر تصعيد عاصف. غير أن العملية لم تنجح، واقتصرت ردة الفعل الإيرانية بشكل محسوب على العراق. ومع ذلك، فمن غير المرجح أن تكون الغارة الجوية قد خلّفت جواً من الرضى لدى قيادة الحوثيين.

رجال الأعمال

سرعان ما جرى تعيين إسماعيل قاآني قائداً لفيلق القدس، خلفاً لسليماني، والذي شغل لعقود من الزمن منصب النائب لـ “سليماني”. وبعد عقود من قيادة “فيلق القدس”، من غير المرجح أن يحيد قاآني عن النهج الإيراني في استخدام الوكلاء للضغط على الخصوم، وذلك انتقاماً لمقتل سليماني.

وفي الوقت ذاته، ثمة ما يدعو للأمل بأن يتمكن اليمن من تجنب التصعيد الذي تدعمه إيران. غير أن تجنب الدخول في جولة أخرى من التصعيد في الحرب الأهلية في اليمن يتطلب مشاركة دؤوبة من الولايات المتحدة والجهات الإقليمية الفاعلة.

الوضع الراهن الهش في اليمن

بعد مضي عام على موافقة ممثلي الحوثيين والحكومة اليمنية المعترف بها دولياً على وقف محدود لإطلاق النار كجزء من اتفاق ستوكهولم، لم يتم إحراز تقدم ملموس لتنفيذ الاتفاق: الحديدة، منطقة الميناء في محور الاتفاق، حيث ما تزال الحديدة أخطر مكان في البلاد بالنسبة للمدنيين. وعلى نحو مماثل، فإن اتفاق الرياض، الذي سعى إلى جبر الانقسام بين الحكومة الرسمية والجنوبيين (المنادين بالانفصال)، المدعومين من الإمارات العربية المتحدة، ما يزال هو الآخر متعثراً ويواجه خطر الانهيار التام.

ومع ذلك، فقبيل بضعة أسابيع فقط كانت هناك أسباب، يشوبها تفاؤل حذر، لاحتمالية انتهاء تدخل التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن بعد سنوات من المفاوضات الفاشلة. وينذر اغتيال سليماني بالارتداد عن هذا التقدم الهش والتوقف عن مواصلته. وفي حين يظل العراق الساحة الأكثر احتمالاً للانتقام الإيراني من الولايات المتحدة وشركائها. ينظر المسؤولون الإيرانيون إلى علاقتهم بالحوثيين كوسيلة للضغط على خصومهم للأعلى أو للأسفل، مع الحفاظ على إنكار جدير ظاهرياً بالتصديق عن أي هجوم معين. وبالتالي، قد يكون اليمن ساحة للتصعيد الإيراني في الأسابيع والأشهر المقبلة. في الواقع، أعرب الحوثيون عن دعمهم لإيران ووعدوا برد “فوري وسريع” على الغارة الجوية. وأياً كان شكل هذا الرد، فإن الانتقام العلني يخاطر بعرقلة المفاوضات الوليدة حول الحرب المنسية في اليمن.

ما الذي سيحدث الآن في اليمن؟

تدرك إيران جيداً أنها ستواجه على نحو خطير خصماً أقوى منها بكثير إذا ما دخلت في صراع مباشر، وبالتالي من المرجح أن تتجنب حرباً شاملة مع الولايات المتحدة. غير أن القيادة الإيرانية من المرجح أن تنتقم من خلال المجموعات غير المتماثلة التي رعتها طهران في المنطقة، وهو المسعى الذي اختطه سليماني وفيلق القدس.

لقد حظي الحوثيون بأهمية أكبر في استراتيجية طهران الإقليمية في السنوات الأخيرة. فقربهم الجغرافي من المملكة العربية السعودية (وتاريخهم الطويل من العلاقات العدائية) يوفر لإيران وسيلة ملائمة لاستعداء منافس لها منذ فترة طويلة على حدودها الجنوبية، والانتقام بشكل أفقي (مواز) على الهجمات (السعودية)على شركائها في سوريا. تضفي العلاقة “السيطرة على التصعيد”، وفقاً لما يسميه أوستن كارسون، بحيث يمكن لطهران، من خلال الحفاظ على إنكار معقول، أن تظهر استيائها من السياسات الأمريكية مع إعطاء خصومها وسيلة لحفظ ماء الوجه لتجنب المزيد من الأعمال الانتقامية، وبما يخفف من خطر تأجيج التصعيد. فالضربة الأخيرة على منشآت أرامكو السعودية التي تبناها الحوثيون (بيد أنه من المرجح أن تكون إيران قد ارتكبتها) تدل على هذه الدينامية، وقد سمح هذا الهجوم لطهران بالرد على حملة “الضغط الأقصى” التي شنتها إدارة ترامب، مع منح كلا الجانبين فرصة للتراجع.

هناك بضعة أسباب لأن نتوقع أن تلجأ طهران إلى اليمن، إن هي خططت للرد على اغتيال سليماني. وفي حين أشارت القيادة الإيرانية إلى أن انتقامها سينتهي بعد الضربات الصاروخية على القواعد في العراق، يشير المحللون إلى أنه من المرجح أن تعود إيران إلى استراتيجيتها “الدفاع الأمامي” المتمثلة في العمل من خلال الوكلاء للرد على ما تعتبره قيادتها بـ “العدوان الأمريكي في المنطقة”.

ومن شأن تصعيد هجمات الحوثيين على المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة أن يسمح لإيران أن تؤشر لاستيائها من واشنطن، مع محاولة تجنب التصعيد الذي قد يؤدي إلى حرب مباشرة. وسيكون ذلك متسقاً مع استراتيجيتها (الدفاع الأمامي) وسلوك طهران السابق في المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، فإن الضربة الأمريكية قد تمكن المتشددين في النظام الإيراني الذين يفضلون التصعيد الإقليمي، عن طريق تأليب الدعم المحلي.

وبالرغم من أن الحوثيين يتلقون بالتأكيد دعماً كبيراً من إيران على شكل دعم مادي، فضلاً عن المشورة والتدريب من نشطاء “حزب الله” على الأرض، إلا أنهم ليسوا قريبين استراتيجياً من إيران، مثلهم مثل وكلاء آخرين مثل “حزب الله” كما يُعتقد. وكما يشير تقرير صدر مؤخراً عن “أميركا الجديدة”، “هناك القليل من الأدلة على التحكم والسيطرة الإيرانية الثابتة عليهم. إن ما تردد عن تزويد إيران لهم بالصواريخ والطائرات بدون طيار يشكل تعارضاً، إلا أن جذورها محلية ولن تختفي إذا تخلت إيران تماماً عن الحوثيين”. وحتى المسؤولين الأمريكيين سعوا إلى التمييز بين القيادة الإيرانية والقيادة الحوثية في الأشهر الأخيرة.

ومع ذلك، هناك علامات حذرة على أن قيادة الحوثيين قد تكون مستعدة للمجاراة من خلال اقتفاء خطى إيران بناء على الطلب؛ قبل أيام قليلة من اغتيال سليماني، حذر مسؤولون حوثيون من أن أهدافاً داخل الأراضي السعودية والإماراتية لا تزال قائمة على قائمة الأهداف العسكرية الممكنة، مما يشير إلى الرغبة في التصعيد. وبعيد الضربة، دعت قيادة الحوثيين إلى الانتقام من الولايات المتحدة.

غير أن ردة فعل الإقليم على هجوم أرامكو، الذي دفع الإماراتيين لإجراء محادثات هادئة مع إيران، ودفع المملكة العربية السعودية للتفاوض مع الحوثيين، يقدم أيضاً مبعثاً للأمل بأن تعمل الجهات الإقليمية الفاعلة معاً لدرء التصعيد الإيراني في اليمن.

أولاً، إن الاستقلال النسبي للحوثيين عن التحكم والسيطرة الإيرانية يمنحهم مجالاً لمقاومة الضغوط المتصاعدة، على الرغم من أن الضربة الأمريكية الفاشلة في اليمن قد تؤثر على هذه الحسابات. وفي مواجهة خيارات بين: الانتقام نيابة عن طهران، أو الدخول في مخاطرة إثارة السعودية على إعادة الحرب من جديد، أو مقاومة الضغوط الخارجية، وبالتالي الحفاظ على احتمالات التوصل إلى تسوية مواتية، فقد تقرر القيادة الحوثية الرهان على الخيار الأخير.

ثانياً، في حين ابتهج المعلقون السعوديون بالضربة التي وجهت إلى خصمهم الإقليمي، حذرت المملكة علناً من التصعيد وحثت إدارة ترامب على ممارسة ضبط النفس. وهذا يشير إلى أن دول الخليج العربية قد تستمر في النهج اللا تصعيدي الحذر الذي اتبعته في اليمن خلال الأشهر القليلة الماضية، حيث بدأت الإمارات العربية المتحدة والسودان سحب قواتهما من اليمن، وتفاوضت المملكة العربية السعودية مع الحوثيون، وانخفضت وتيرة الغارات الجوية السعودية بشكل كبير.

وبقدر ما تُعارض القيادتان السعودية والإماراتية بشدة النفوذ الإيراني في المنطقة، فإنهما تريدان تجنب مواجهة مباشرة مع إيران، لا سيما بعد أن أظهرت سياسات إدارة ترامب الخاطئة أنهما قد لا تحصلان على دعم أميركي في مثل هكذا مواجهة. وبعبارة أخرى، لا تزال العوامل التي ساهمت في توجهات التحالف المتصاعدة للتخفيف من حدة التوتر قبل بضعة أشهر مهمة، حتى بعد تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وإيران.

إن الولايات المتحدة في وضع جيد لتعزيز الديناميات غير التصعيدية في اليمن ودعم عملية السلام الوليدة هناك. أظهر خفض التصعيد مؤخراً في اليمن أن ممارسة الضغوط ناجحة؛ على الرغم من أن إدارتي أوباما وترامب دعمتا في البداية التدخل الذي تقوده السعودية، إلا أن تهديدات الكونغرس برفع مبيعات الأسلحة واستدعاء قانون صلاحيات الحرب لإنهاء الدعم المادي الأمريكي للتدخل في عام 2019، قد أُخضع أبوظبي والرياض، وقاد إلى منعطف جديد من الصراع. أنهى الجيش الأمريكي تزويد التحالف الذي تقوده السعودية بالوقود جواً بعد مقتل الصحفي جمال خاشقجي في أواخر عام 2018، وورد أن وزير الدفاع، جيمس ماتيس، ضغط على المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة للتفاوض لإيجاد تسوية سياسية للحرب في الفترة التي سبقت اتفاق ستوكهولم. وفي حين أن بعض هذا السلوك غير التصعيدي يرجع إلى الاعتراف التدريجي بأنه لا يمكن الظفر بهذه الحرب، يمكن أن يعود في جزء كبير منه إلى الضغط الأمريكي أيضاً. ولذلك، يمكن لواشنطن – بل ويجب عليها – أن تواصل الضغط على شركائها الإقليميين للتوصل إلى اتفاق عن طريق التفاوض. يشير تصويت مجلس النواب الأخير الذي استند إلى قانون صلاحيات الحرب فيما يتعلق بإيران، والتصريحات الداعمة من مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ من الأحزاب، إلى أن الكونغرس مستعد لمواصلة الضغط على الإدارة لتجنب التصعيد في المنطقة، حتى في خضم المواجهة السياسية الجارية بشأن عزل الرئيس (ترامب).

كما ستواصل الجهات المؤثرة والفعالة في المنطقة من القيام بدور حاسم في اليمن في الأسابيع والأشهر المقبلة. لقد سئم القادة السعوديون والإماراتيون من استنزاف مواردهم وسمعتهم في حرب يبدو أنه لا يمكن الظفر بها على نحو متزايد، بما أدى إلى تعزيز رغبتهم في خفض تدخل التحالف. وبدعم دولي، يمكن للجهات الإقليمية الفاعلة مثل عُمان وحتى مجلس التعاون الخليجي العمل كوسطاء وضامنين لردع المخربين المُمكنين والمساعدة في تنفيذ أي اتفاق.

إن وفاة السلطان العماني قابوس بن سعيد المفاجئ في نهاية الأسبوع الماضي هو عامل آخر يمكن أن يصعب هذا الأمر. في عهد قابوس، لعبت عُمان دوراً مهماً من وراء الكواليس في المفاوضات التي أدت إلى الاتفاق النووي، وتوسطت في المفاوضات بين المملكة العربية السعودية والحوثيين بدءاً من الخريف الماضي. يمثل قابوس شخصية فريدة من نوعها في المنطقة، حيث نشط كوسيط يتمتع بمكانة ومصداقية للتوسط في الاتفاقات بين الأطراف المتحاربة في المنطقة. أثارت وفاته والدراما حول خلافته بعض الشكوك حول ما إذا كان هناك أي شخص سيكون قادراً على أن يحل محله. ومع ذلك، تعهد السلطان الجديد هيثم بن طارق، الذي أدى اليمين الدستورية بسرعة، بمواصلة مسيرة قابوس الدبلوماسية. وقد زار قادة من جميع أنحاء المنطقة مسقط لتقديم تعازيهم للسلطان الجديد، مما عزز عملية الانتقال السلمي. وهذا التواصل يعد مبعث أمل بأن تتمكن عُمان من مواصلة القيام بدور مثمر كوسيط إقليمي.

وأخيراً، يجب ألا ينسى صناع السياسات في الجهات اليمنية الفاعلة أنفسهم. وفي حين يركز معظم التحليل الغربي للصراع في اليمن على تدخل طرف ثالث، فإن هذا المنظور يهمل الديناميات الأصلية التي أدت إلى اندلاع الحرب الأهلية في المقام الأول. إن التركيز على التدخل الخارجي لا يخلو من منطق وجيه، لأن الجهات الإقليمية الفاعلة فاقمت الصراع بشكل كبير وحالت دون التوصل إلى حل مبكر. ومع ذلك، فإن الحرب الأهلية في اليمن بدأت بسبب قضايا محلية حول الحكم المحلي وتقاسم الموارد، ولن تنتهي دون حل هذه القضايا الأساسية وبدون إضعاف المفسدين المحتملين.

وبالإضافة إلى ذلك، خلقت سنوات من القتال خليطاً من جماعات الميليشيات المنقسمة ومؤسسات حكم محلي سيكون من الصعب للغاية إعادة ربطها معاً في نظام سياسي متماسك وفعال. وقد يكون استئناف القتال المحلي بمثابة دعوة للجهات الخارجية الفاعلة للتدخل مرة أخرى، مما يؤدي إلى استئناف الصراع. ولذلك من الضروري أن تأخذ جهود الوساطة هذه القضايا المحلية في الاعتبار.

خلال القرن الماضي، كان اليمن في كثير من الأحيان مسرحاً للجهات الفاعلة في المنطقة لإدارة صراعاتها الخاصة. إن انتكاسة القتال في اليمن يمكن له أن يوفر أسساً مستقبلية للتدخل، وبدوره أن يكون باعثاً لعدم الاستقرار الإقليمي. وعلى النقيض من ذلك، فإن إنهاء الحرب في اليمن سيقضي على منبع خطير للنفوذ الإيراني في الخليج.

– الدكتورة ألكسندرا ستارك هي كبيرة الباحثين في “نيو أمريكا”. عملت سابقاً باحثًة في مبادرة الشرق الأوسط، ومركز بيلفر للعلوم والشؤون الدولية بجامعة هارفارد، وباحثة في السلام والأمن في المعهد الأمريكي للسلام

زر الذهاب إلى الأعلى