سبأ يجمع حكايات التراث الشعبي اليمني من رواتها
الحياة اليمنية – اليمن في الاعلام الخاجي – middle-east-online.
سبأ يجمع حكايات التراث الشعبي اليمني من رواتها
الباحث اليمني يؤكد أن اليمن بلد واسع متعدد التجليات الثقافية، ونحتاج إلى عشرات الكتب ومئات الجامعين لتوثيق الكثير من الأسرار.
يجمع هذا الكتاب “حكايات من التراث اليمني” للباحث والفنان التشكيلي محمد سبأ الحكايات الشعبية التى تعكس ثقافة الشعب اليمني بما يملكه من روح الفكاهة والحكمة والتأريخ والشخصيات والأماكن. وقد قسم إلى عدة فصول يتناول كل منها نوعا من هذه الحكايات. ووفقا لسبأ لا يوثق الكتاب سوى جزء يسير منها، حيث يؤكد أن اليمن بلد واسع متعدد التجليات الثقافية، وربما نحتاج إلى عشرات الكتب ومئات الجامعين لتوثيق الكثير من الأسرار في تراثنا الشعبى فى مختلف ربوع اليمن، والتى تحتفظ بالكثير من الحكايات الشعبية التى تتنوع بشكل كبير، وللأسف ضاع الكثير منها بفقدان رواتها من كبار السن ممن يحملون هذا التراث، وما علينا سوى إنقاذ ما تبقى منها قبل أن تغادرنا للأبد.
ورأى سبأ في كتابه الصادر عن مكتبة خالد بن الوليد أن ظهور وسائل الإعلام الحديثة ووسائل التواصل المرئية والمسموعة أدى إلى نسيان الكثير من حكاياتنا الشعبية، وقال “كان بداية فقدان هذا التراث عندما احتل الراديو ثم التلفزيون مكان الحكواتى أو السامر أو كبار السن، الذين كانوا يحفظون الحكايات المتوارَثة عبر أجيال طويلة، فلم يعد الناس يتجمعون فى السامر وقت فراغهم، ولم يعد الحكواتى يحيي السهرات الليلية بالحكايات والسير، فقد كانت الأجيال الصاعدة تتعلم من خلالها الكثير من القيم النبيلة، وتزرع فى نفوس أولادنا حب الخير والكرم والتعاون والشجاعة، فتحفز الهمم وتوجه الشباب والمجتمعات لعمل الخير وترك الشر.
وأضاف “حاولت جاهدًا في هذا الكتاب أن أجمع ما استطعت من هذه الحكايات الشعبية النابعة من حكمة الشعب اليمني الأصيل، وقد اعتمدت في جمعها على عدة مصادر، فاعتمدت بالدرجة الأولى على الرواة والأخباريين، ممن قابلتهم وعايشتهم، ومنها ما جمع من الكتب والمراجع التي هى في الأساس كتب تاريخية أو كتب رحلات، أو كتب لا يظهر من عنواناتها أن في طيها حكايات شعبية، وحرصت على قراءة الكثير من الكتب للبحث عنها والتأكد من مصداقيتها من عدة مصادر، ومن ثم تدوينها وجمعها في هذا الكتاب حتى تخرج للعيان ويفيد منها القراء؛ لما لها من أهمية كبيرة في حياتنا وخشيةً عليها من النسيان والضياع، واستشعارًا لأهميتها. وقد حرصت على أن لا أكرر ما قد جمع منها في كتب الحكايات الشعبية اليمنية في كتابات سابقة، مثل ما جمعه علي محمد عبده فى كتابه “حكايات وأساطير يمنية”، ولم أكرر ما جاء فى كتاب “أساطير من تاريخ اليمن” لحمزة علي لقمان، أو ما جاء في كتب أروى عثمان “حزاوي وريقة الحناء” بأجزائها الثلاثة، إلا ما كان منها مختلفاً في صياغة النص، ورأيت فيه اختلافات كثيرة عما دوَّنه من سبقني، فأحببت أن أدونها كما سمعتها بصيغتها في البيئة التي ولدت ونشأت فيها هذه الحكايات وقد حظيت محافظة إب وسط اليمن وما يجاورها بالنصيب الأكبر منها كونها منطقة عيش وحياة جامع هذه الحكايات وقد حرصت على تدوينها كما هي في بيئتها”.
سبأ حرص أثناء جمع هذه الحكايات على تدوينها كما هي في بيئتها دون زيادة أو نقصان لنوصلها كما هي في طينتها الأصلية نقية من أي تحريف
وأشار إلى أن هذه الحكايات لم تأت من فراغ فهي نتاج تجربة وخبرات طويلة صقلتها التجربة الشعبية عبر العصور، وتحمل في طيها العديد من المفاهيم والأهداف التعليمية والتربوية، وأحياناً ونحن نقرأ هذه الحكايات قد نجد نصوصًا مستفزة لمشاعرنا في بعض مقاطعها، لكن هذا لا يعني أن الوعي الشعبي لم يكن يدرك ذلك، بل كان على دراية بكل التفاصيل، ولكن الوعي الجمعي أبقى على هذا النوع من الحكايات لما له من تأثير إيجابي، فإذا تعمقنا في خفاياها أكثر سنجد أن وراءها الكثير من الحكم، فهى خلاصة خبرات طويلة لأجيال سابقة، فنجدها تارة تعلم الأبناء حب الأرض وحب الخير، وتنفرهم من الشر، مثلا حكاية “وريقة الحناء” التي أوردها علي محمد عبده في كتابه “أساطير وحكايات يمنية”، فقد صور فيها الخيال الشعبي الفتاة “كرام” وهي تذهب لتغتسل في البركة فتخرج مغطاة بالحيات والثعابين والعقارب، فتعود إلى منزلها على تلك الحالة والحيات على جسمها، وتنادى على والدها لكى يقوم بإحضار أداة القطع “الشريم” لإزالتها عنها، قد يجدها البعض قصة أبعد ما يكون عن أن تقبلها عقولُ أهل هذا الزمان، لكن الحقيقة أن الخيال الشعبي كان يهدف من وراء هذه الرعب والمبالغة إلى صقل وتهذيب عقول الأطفال، فيزرع في نفوسهم كراهية الشر في المراحل الأولى من عمرهم، فهو يدرك من خلال الحكمة التي تعلمها عبر العصور أن هذه المرحلة ما زالت بحاجة إلى تهذيب الطفل، فالفتاة كرام يكون مصيرها موحشًا، وكذلك حالُ كل طفل لا يساعد الناس، وعلى العكس من ذلك، من يفعل الخير سيكون مصيره سعيدًا مثل وريقة الحناء التي كانت تعمل على مساعدة العجوز وتمدها بالطعام وتفلي شعرها، فكانت مكافأتها أن تحولت هذه العجوز إلى جنيةً تحقق لها أحلامها. فالخيال الشعبي يغرس في نفوس الصغار أن فعل الخير لا يقف أمامه حاجز مهما يكن.
وأضاف “إذا تعمقنا أكثر في هذه المفاهيم وقارنّا ما جاء فيها بأساليب التربية وعلم النفس الحديث، لوجدنا أن هذه القيم هي التي ينادى بها خبراء علم النفس في وقتنا الحاضر، وتقول إحدى الدراسات الحديثة إن الطلاب الذين يقدمون لدراسة الطب يجب أن يتمتعوا بسعة الصدر مهما كانت حالة المريض، وهذا يتطابق مع تشجيع الخيال الشعبي لوريقة الحناء والثناء عليها لإستخراج وقتل القمل من رأس العجوز وقد قرأت ذات مرة في دراسة حديثة صدرت مؤخراً أن الأطفال الذين تربوا في أسر تعودوا فيها على سماع الحكايات الشعبية يصبحون أكثر شجاعة وإقدامًا في أمور حياتهم من غيرهم، ومن هنا يتضح لنا القيمة الحقيقية التي من أجلها بقي هذا الموروثُ الشعبى حيا متناقلا بين الأجيال، فحُفظت هذه الحكاياتُ الشعبية التي كان الهدف منها تعليم الأبناء خلاصة التجربة الإنسانية، وخلاصة الخبرات التي صقلت بعد مرورها بعقول الكثير من الحكماء الشعبيين، فهل ننسى هذه الحكمة ونطمس تراثنا، مستعيضين عنه بالإنترنت والتلفاز لتعليم أجيالنا! أم نوثق حكاياتنا الشعبية ونجعل منها وسائل تعليمية، ونحولها إلى ما شئنا من مسرحيات أو تمثيليات وغيرها، بحيث نعلّم أبناءنا الحكمة التي توارثناها من بيئتنا الأصلية؟!
من هنا كان الهدف الرئيس من تجميع هذه الحكايات فىيهذا الكتاب؛ أولاً للحفاظ على هذه الحكايات من الضياع، وثانيًا للإفادة منها في الوسائل المختلفة.
وأكد سبأ أنه حرص أثناء جمع هذه الحكايات على تدوينها كما هي في بيئتها دون زيادة أو نقصان لنوصلها كما هي في طينتها الأصلية نقية من أي تحريف. وعملت على استخدام لغة سلسة تحافظ على مضمون الحكاية ولا تفقدها فكرتها وروحها، كما حرصت على أن تكون اللغة عربية تفهمها كل الشعوب العربية أو الأجنبية في حال ترجمت، فهذه الحكايات رويت بعدة لهجات، وتختلف طرق سردها من مكان إلى آخر، وهذا ليس عيبًا، فمن مميزات الأدب الشعبي أن المجال يكون مفتوحًا للإضافة والحذف والسرد بالطريقة التي تتناسب مع المكان والزمان، وربما سقطت أجزاء من الحكاية لدى البعض واكتملت عند آخرين.
هذا النوع من الأدب يقدم الولاء والإنتماء للوطن ويرتبط بالقيم والمعتقدات والصراع بين الخير والشر والحق والباطل والضعيف والقوي والخائن والوفي
وفي تقدمتها للكتاب لفتت وكيل وزارة الثقافة اليمنية الأسبق نجيبة حداد أن الحكايات الشعبية ترتبط بالهوية الثقافية والحضارية للبلدان واليمن من أهم الحضارات التي يجب علينا أن نحافظ على تراثها وموروثها الثقافي. وذلك من خلال التوثيق لهذا التراث في كتابات ودراسات تحافظ عليه وتنقله للأجيال القادمة، فاليمن بتنوع تضاريسه وعاداته وتقاليده وطقوسه العريقة. يحتاج إلى المزيد من الدراسات التي تظهر مدى ما يدخرة من فنون وثقافات. لقد إجتهد الكاتب محمد سبأ. من خلال البحث والقراءة والمقابلات الشخصية مع الإخباريين من الرواة وكبار السن في جمع وتدوين هذا النوع من الأدب وهو الحكايات الشعبية اليمنية الأصيلة، إبتداء من الحكايات التاريخية المرتبطة بماضي وحضارة اليمن. ثم الحكايات التي ترتبط بالأرض والزراعة والحكمة. وكذلك الحكايات التي تمتاز بالفكاهة والدعابة، وهي ميزة من مميزات الشعب اليمني، وكذلك عمل على رصد وتوثيق الحكايات التي ترتبط بالمعتقدات والمعارف الشعبية كحكايات الجن والمخلوقات الغريبة والكواكب، وكذلك حكايات حكيم اليمن علي ولد زايد وحكايات أيام الغمام وغيرها من الحكايات التي بلغت مائة وخمسين حكاية. وقد عمل على جمعها من بيئتها الحقيقية، وقد كانت العائلات قديماً لا تستغني عن حكايات الجدة التي ترويها للابناء كل مساء، ولهذا أصبح هذا النوع من الأدب يقدم الولاء والإنتماء للوطن ويرتبط بالقيم والمعتقدات والصراع بين الخير والشر والحق والباطل والضعيف والقوي والخائن والوفي الخ.
وقالت حداد إن اليمن بلد كبير وفنونه متعددة ومتنوعه وتكنز أقاليم وقرى ومدن اليمن الكثير من أصناف الأدب الشعبي والحكايات التي تمثل جزءًا مهماً منه. لقد اجتهد الباحث محمد سبأ في هذا الكتاب وقدم شيئاً جديداً للمكتبة اليمينة والعربية بل لكل الباحثين في حضارة اليمن وتراثها حول العالم وهو من الشباب المتميزين الذين سبق لهم الفوز في مسابقات إبداعية في القاهرة، وقد حضرت ذات مرة لفعاليات حفل تكريمه بالفوز بجائزة لوتس للقصة القصيرة عام 2018 لدى مؤسسة لوتس للتنمية الثقافية وهو كذلك فنان تشكيلي أقام عددا من المعارض الشخصية التي حضرتها له في القاهرة ولاقت نجاحاً كبيراً وله لوحات تعبر عن محتوى هذا الكتاب القيم.