اليمن في الاعلام الخارجي – الفجر
حاورته/ أماني عزام
– اليمن يدفع ثمن موقعه الإستراتيجي المتميز عبر التاريخ.. والجميع مسئول عن تدهور أوضاعه
– استقرار اليمن هو استقرار لمصر ودول الخليج والجزيرة العربية بالكامل
وُصفت فترة حكمة بالعصر الذهبي، لما شهدته اليمن خلالها من تطور عمراني واقتصادي وثقافي وسياسي، ورغم خروجه من المشهد السياسي إلا أنه مازال يمثل أملا للكثير من اليمنيين باعتباره أحد أهم حكمائها، ولديه القدرة علي إخراج اليمن من أزمته كونه يقف على مسافة واحدة من جميع أطراف الأزمة ويحظى بقبول واسع وشعبية جارفة لدى الشماليين والجنوبيين.
أخيرًا استطاعت “الفجر” اختراق فترة الصمت الإعلامي التي يفرضها الرئيس علي ناصر محمد، رئيس جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية السابق علي نفسه، لنجري معه هذا اللقاء الهام في مرحلة حرجة ومهمة من تاريخ اليمن، وصل فيها الصراع اليمني إلى مرحلة يصعب السيطرة عليها أو تجاوزها دون تدخل حكماء وعقلاء المنطقة.
“علي ناصر” فتح خزائن ذكرياته، وتحدث عن العصر الذهبي الذي عاشته اليمن في عهده، كما كشف تفاصيل علاقته بالعملاق الاقتصادي المصري أنسي ساويرس، وتحدث عن الصداقة الطيبة التي جمعته بالشيخ زايد رحمه الله.
الرئيس اليمني الأسبق، عبر عن قلقه من تفاقم الأزمة في اليمن وتدهور الأوضاع الإقليمية في المنطقة، مطالبًا بضرورة رد الاعتبار للجامعة العربية وإعادة هيبتها ودعمها سياسيًا وماليًا لتكون صوت العرب ومنبرهم.
“علي ناصر” اعترف بجرأة أن الصراع اليمني أكبر بكثير من قبائلها ومشايخها، مؤكدًا أن الجميع مسئول عن تدهور الأوضاع في اليمن، مُطلبًا عقلا وحكماء المنطقة بالتدخل لحل الأزمة ووقف الصراع.
كما تطرق الرئيس الأسبق في حواره إلى ضرورة إيجاد حل عادل للقضية الجنوبية، وغيرهما من الملفات التي تتطلب توافقا بين كل الأطراف المحلية والإقليمية والدولية المتداخلة في الصراع اليمني – اليمني، مشددا على ضرورة تغليب صوت العقل والاحتكام إلى لغة الحوار بدلًا من لغة السلاح، التي لا تولد إلا العنف ولن تؤدي إلا إلى مزيد من الصراع والتدهور.
لماذا تفضل الاختفاء عن الإعلام وتفرض على نفسك عزلة سياسية رغم أن الكثير يرونك طرفاً مقبولاً لدى جميع الأطراف اليمنية والإقليمية؟
– موضوع اختفائي عن أجهزة الإعلام ليس دقيقاً، فأنا لي حضور إعلامي وسياسي على المستوى المحلي والإقليمي والدولي منذ خروجي من السلطة وإلى الآن وأرتبط بعلاقات واسعة مع كافة الأطراف المحلية والإقليمية والدولية لمصلحة اليمن واستقراره وأمنه، والذي عانى ولا زال يعاني من الصراعات والحروب على مدى أكثر من ستين عاماً بسبب الموقع الإستراتيجي لليمن في الجزيرة العربية والبحر العربي والمحيط الهندي وباب المندب والبحر الأحمر والقرن الأفريقي، ونحن ندفع ثمن هذا الموقع عبر التاريخ من غزو الأحباش والفرس والأتراك والفرنسيين والبرتغاليين والهولنديين والبريطانيين ولكن شعبنا كان يقاوم الغزاة عبر التاريخ دفاعاً عن وطنه وموقعه وسيادته، ونحن نأمل أن يتجاوز اليمن كل هذه الفتن ما ظهر منها وما بطن لأن استقرار اليمن هو استقرار لدول الخليج والجزيرة، وكذلك لمصر بحكم العلاقات التاريخية، حيث ترتبط اليمن بمصر التي وقفت إلى جانب الشعب اليمني بشماله وجنوبه للدفاع عن النظام الجمهوري وتحرير الجنوب من الاحتلال البريطاني، كما أن بوابتي باب المندب وقناة السويس يمثلان وحدة واحدة في حماية البحر الأحمر وسلامة الملاحة الدولية في المنطقة.
كيف تقدر حجم التهديدات التي تحيط بمضيق باب المندب جراء استمرار الحرب؟
– يعتبر باب المندب من أهم الممرات الملاحية في المنطقة، وهو امتداد لقناة السويس وأي تهديد لباب المندب هو تهديد لقناة السويس وللدول المطلة على البحر الأحمر، ولهذا من الصعب لأي طرف مهما كان أن يهدد الملاحة في هذا المضيق فقد مررنا بصراعات وحروب ولكننا لم نفكر بإغلاق هذا المضيق؛ لأن ذلك سيؤدي إلى صراع كبير وخطير في المنطقة، ووضع باب المندب كوضع مضيق هرمز فرغم الحروب التي مرت في الخليج والمنطقة فلم تحاول أي دولة إغلاق هذا المضيق.
كيف ترى الوضع الآن في اليمن؟
– الوضع في اليمن خطير جداً بسبب الحروب التي مر بها في الشمال والجنوب، وبين الشمال والجنوب قبل الوحدة وبعدها وآخرها الحرب التي اندلعت منذ 2015، وقد طالبنا منذ بدايتها بوقفها والاحتكام إلى لغة الحوار بدلاً من السلاح، وشددنا على أن المنتصر في هذه الحرب مهزوم.
وكان البعض يعتقد بأن الأمور ستحسم بعد 30 أو 45 يومًا من إعلان عاصفة الحزم بالدخول إلى صنعاء وإعادة الشرعية وهزيمة أنصار الله وأنصار الزعيم علي عبدالله صالح، ولكن التقديرات كانت غير صحيحة وغير واقعية؛ لأن من خطط لهذه الحرب لا يعرف اليمن بطبيعتها وجبالها ورجالها فقد مضى على الحرب خمس سنوات وستدخل عامها السادس بعد شهرين ونحن نراقب مجموعة الحوارات الجارية مع أنصار الله في السعودية وعُمان، ومع المجلس الانتقالي، ومع طارق محمد عبدالله صالح في الرياض، وبالرغم من أن هذه الحوارات جاءت متأخرة بعد الخراب والدمار الذي شهدته اليمن إلا أنه أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي، وسيحاول تجار الحرب في اليمن وخارجها عرقلة الحوارات لأنهم لا يريدون نهاية لهذه الحرب.
ورغم ذلك فنحن نبارك هذا الحوار وأي حوار إذا كان ذلك سيؤدي إلى استقرار اليمن والمنطقة، وليس المهم من يحكم، ولكن المهم هو الحفاظ على السيادة الوطنية والقرار الوطني وأمن واستقرار اليمن والمنطقة لأن المنطقة بحاجة إلى حلفاء أقوياء وليس إلى قوى تابعة.
هل تتابع الأوضاع الإنسانية في اليمن؟
– اليمن يمر بأسوأ كارثة إنسانية تشهدها المنطقة بسبب استمرار الحرب وغياب الدولة في اليمن، ففي اليمن اليوم أكثر من رئيس وأكثر من حكومة وأكثر من جيش، ولهذا تعدد المسئولين بسبب الصراع على السلطة، والذي يدفع الثمن هو الشعب فلا خدمات ولا تعليم ولا مستشفيات ولا أمن ولا استقرار وانتشار الأوبئة، وأكثر من 20 مليوناً تحت خط الفقر غير الذين شردوا في اليمن وخارجها بحًثا عن الأمن الحياة الكريمة.
ما تقييمك لدور دول الخليج في اليمن وفي مقدمتها السعودية والإمارات باعتبارهم أكثر دول مشاركة بفاعلية على الأرض في التحالف العربي؟
– كنا ولا زلنا نتمنى أن تولي دول المنطقة اهتمامًا أكبر بالتنمية بدلاً من الحروب؛ لأن الحروب أدت إلى انهيار الدولة وانهيار الاقتصاد والأمن والمعيشة، وهذا بدوره يؤدي لخلق بيئة للإرهاب في المنطقة، ولهذا نحن نناشد الأشقاء في السعودية ودولة الإمارات أن توليا اهتمامًا أكبر بالحوار والمساعي السلمية لإيقاف الحرب والشروع في إعادة ما دمرته الحروب في اليمن لأن استقرار اليمن هو استقرار للمنطقة.
برأيك ما سبب فشل جميع الوساطات والمبادرات في اليمن؟
– ما يجري في اليمن اليوم يذكرنا بالحرب التي شهدتها في الستينيات، فقد فشلت كل المبادرات والوساطات لوقف الحرب بين الملكيين والجمهوريين؛ لأن تجار الحروب كانوا لا يريدون نهاية لتلك الحرب التي تحولت إلى حرب استنزاف لكافة الأطراف وفي المقدمة جمهورية مصر والمملكة العربية السعودية.
وعندما التقى الرئيس جمال عبدالناصر والملك فيصل على هامش أعمال مؤتمر القمة في الخرطوم عام 1967م اتفقا على وقف الحرب، وفي تقديرنا اليوم أن إيقاف الحرب يتطلب تدخل الدول المعنية بالصراع لوقفها بعد أن تحولت لحرب استنزاف لكافة الأطراف.
هل انشغال اليمنيين بالصراعات الداخلية بين الشمال والجنوب ساهم في إطالة أمد الحرب؟
– ما يجري اليوم هو صراع على السلطة سواء كان في عدن أو صنعاء، وقد أدى هذا الصراع إلى إقصاء بعض القوى في الشمال والجنوب ونحن لسنا مع الإقصاء، كما لسنا مع استئصال أي قوة من الساحة لأن الوطن يتسع للجميع، ولكن هذا لن يتحقق إلا باستعادة الدولة ومؤسساتها ووضع حد للفوضى الأمنية في اليمن بشمالها وجنوبها، فاليمن بحاجة إلى رئيس واحد وحكومة واحدة وجيش واحد.
من المسئول عن تدهور الأوضاع في اليمن؟
– الكل مسئول عن تدهور الأوضاع في اليمن سواء قوى محلية أو إقليمية أو دولية، فاليمن يعاني منذ خمس سنوات من الصراعات والحروب والعالم يراقب مثل هذا الصراع دون تدخل إيجابي لوقف انهيار الدولة، ولهذا فإنه ما لم يوجد حل لهذا الانهيار، ولهذا التدهور فإن اليمن لن يستقر وعدم الاستقرار في اليمن هو عدم استقرار للمنطقة كلها.
من المعروف أن المجتمع اليمني مجتمع قبائلي يحترم أراء المشايخ وزعماء القبائل.. ألا يوجد حكماء قادرون على حل الأزمة؟
– المشاكل في اليمن أكبر من قبائل اليمن ومشايخها هو صراع إقليمي ودولي، كما حدث في حروب الملكيين والجمهوريين وكل الحروب التي مر بها اليمن حتى اليوم، فنحن اليوم بحاجة الحكماء في اليمن والمنطقة لحل هذه الأزمة دون التدخل في شؤون اليمن والمساس بسيادتها وقرارها الوطني.
برأيك هل ينجح اتفاق الرياض في حل الأزمة اليمنية؟
– نأمل أن يؤدي اتفاق الرياض إلى إيجاد تقارب بين الأطراف المشرفة عليه والموقعة عليه، لاستعادة الأمن والاستقرار في الجنوب وخاصة في مدينة عدن الجريحة والمنكوبة الذي تسبب فيه غياب الدولة وهيبتها.
وكنا نتمنى أن يعود الرئيس إلى صنعاء وعدن وهو الذي يعيش خارج اليمن بحكومته وقياديه لخمس سنوات، وفي اليمن اليوم أكثر من رئيس وأكثر من حكومة وأكثر من جيش ولا يمكن لأي طرف سواء كان في عدن أو صنعاء أو مأرب أو الرياض أو غيرها أن يحكم بمفرده وقوته ما لم تستعاد الدولة بكل مؤسساتها ويمكن لهذه الأطراف أن تشارك في الحكم كغيرها من القوى السياسية في اليمن وبدون أي إقصاء أو استئصال.
متى تتوقع انتهاء الحرب؟
– عندما يتفق الكبار.
ماذا عن جنوب اليمن والقضية الجنوبية؟
– المشكلة في الجنوب برزت أكثر بعد حرب 1994 بإقصاء قيادات ومئات بل آلاف الكوادر العسكرية والمدنية والحزبية من الجنوبيين من أعمالهم كما حدث عام 1986، وتشابه ما قام به بريمر في العراق، ولهذا فإن الأوضاع في العراق لم تستقر وكذلك في الجنوب لم تستقر، وقد أدى ذلك إلى خروج الجماهير في عدن والمحافظات الجنوبية للمطالبة بحقوقهم ووظائفهم وممتلكاتهم واحترام خصوصيتهم وكيانهم وشراكتهم في دولة الوحدة ولم يستجب النظام في صنعاء حينها لهذه المطالب المشروعة فارتفع السقف للمطالبة بإسقاط النظام في صنعاء وفك الارتباط بين الشمال والجنوب، ومن جانبنا فإننا قد قمنا باتصالات مع كافة الأطراف المحلية والإقليمية والدولية من أجل حل القضية الجنوبية حلًا عادلا وعقدنا مؤتمرًا في مصر، وقد خرج بقرارات لحل القضية الجنوبية؛ حيث أكد المجتمعون إعادة صياغة الوحدة في دولة اتحادية فيدرالية بدستور جديد من إقليمين جنوبي وشمالي، كواحد من أرقى أشكال الوحدة السياسية والوطنية، يقدم حلاً موثوقًا وعادلاً بعيدًا عن المصالح الذاتية والفئوية ومكوّن أساسي في حزمة الحلول والمخارج للحفاظ على الوحدة المرتكزة على الشراكة المتكافئة بين شريكي الوحدة، وكشكل من أشكال إعادة الاعتبار لقيم الوحدة التي عصفت بها النوازع الإقصائية والفيدية (الغنيمة) القهرية اللاوحدوية، وكضمانة جوهرية لإعادة صياغة وبناء المشروع الوحدوي الحضاري على أسس جديدة، لابد من إثبات جديّة الجهود لمنع إعادة إنتاج الدولة الراهنة المهترئة ومدى النجاح في بناء الدولة المدنية اللاأسرية واللافئوية واللاقبلية، السيادة فيها للدستور والقانون في عموم البلاد جنوباً وشمالاً على حدّ سواء.
الحوار الوطني الذي تبناه الرئيس واعتبر مخرجاته هو المشروع السياسي لليمن واحدي الثوابت لماذا لم ينجح؟
– استمر الحوار الوطني في صنعاء لأكثر من سنة وبذلت جهود كبيرة من أجل إنجاحه تحت إشراف السيد جمال بن عمر ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في اليمن، وخرج بنتائج هامة على الصعيد الوطني ولكنها تعطلت وتأجلت بسبب الحرب التي نأمل أن نتجاوز آثارها في المستقبل، وحلّت لغة الحرب والدمار محل الحوار.
برأيك ما هي القوى السياسية المؤثرة في الساحة اليمنية الآن؟
– أنا لا أريد أن أتحدث عن هذا الموضوع لحساسيته فكل طرف يدّعي أنه هو المؤثر في الساحة اليمنية وهو الزعيم والقائد، وفي تقديري أن القوى المؤثرة في الساحة اليمنية سنعرفها من خلال إجراء الانتخابات وليس المظاهرات والهتافات، التي نسمعها في اليمن بشمالها وجنوبها والحكم في الأخير هو للشعب وصناديق الاقتراع.
كيف ترى مستقبل أحمد علي عبدالله الصالح وابن عمه طارق في اليمن؟
– من الصعب أن أتنبأ بمستقبل أحمد علي عبد الله صالح وابن عمه طارق لأن معرفتي بهما محدودة ومستقبلهما يحدده طبيعة الصراع والتحالفات الإقليمية والدولية في اليمن والتوافق مستقبلًا على من يحكم أو يشارك في الحكم.
أنا أعرف الرئيس السابق علي عبدالله صالح أكثر من الآخرين، وهو الرجل الذي صنع نفسه بنفسه وحكم لمدة 33 عاماً بالاستفادة من علاقاته الإقليمية والدولية والرقص على رؤوس الثعابين.
هل لديكم تواصل مع أطراف الأزمة؟ ولماذا لا تقدمون مبادرات لحل الأزمة؟
– أنا أرتبط بعلاقات مع كافة الأطراف في الساحة اليمنية وخارجها وتقدمت بأكثر من مبادرة لحل الأزمة في اليمن، ولكن تجار الحروب لا يريدون حل لهذه الأزمة.
ما الحل الأمثل للأزمة اليمنية من وجهة نظرك؟
– تقدمنا منذ بداية الحرب 2015 بأكثر من مبادرة لحل الأزمة اليمنية وعملنا على تطويرها بشكل دائم، وكان آخرها العام الماضي وقد ارتكزت على النقاط التالية:
أولاً: وقف الحرب.
ثانياً: العمل على إنهاء الصراع عبر حوار جاد بين مختلف الأطراف اليمنية وبرعاية إقليمية ومباركة دولية انطلاقاً من الأسس والمبادئ التالية:
أ. الاتفاق على أن الحوار هو الطريق الوحيد لحل المشاكل المتراكمة في اليمن وأن الشراكة في إدارة الدولة والمجتمع أساس للتعايش وضمان لاستعادة بناء الدولة وإعادة الإعمار والشروع في التنمية.
ب. الاتفاق على أن الدولة الاتحادية هي أفضل الخيارات للمشاركة انطلاقاً من دولة اتحادية من إقليمين (شمال وجنوب) ودراسة بقية الخيارات الأخرى.
ج. الاتفاق على الأولوية المطلقة لإعادة بناء الدولة ومؤسساتها وتسليم كافة الأسلحة إلى وزارة دفاع واحدة متفق على هيكلتها وإنهاء كافة المليشيات والمجموعات المسلحة عبر توحيد المؤسسات العسكرية والأمنية.
د.الاتفاق على أن اليمن جزء فاعل في الإقليم يحافظ على أمن وسلامة جيرانه ويحفظ حدودهم ويصون مصالحهم.
هـ. الاتفاق على ضرورة محاربة الإرهاب.
هل لديكم طموح للعب أي دور سياسي في مستقبل اليمن؟ وهل توافق على تولي أي منصب؟
– أنا لا أبحث عن السلطة ولكنني أبحث عن حل لمشاكل اليمن وأمنه واستقراره، وقد جربت السلطة من محافظ إلى رئيس للدولة واكتويت بنارها واستفدت من دروس وعبر تجربتي في السلطة، ولهذا أنا لا أركض وراء المناصب والوجاهات والمال، ولكنني أسعى من أجل الحل السياسي للأزمة في اليمن، وقد عرض علي في الماضي أكثر من منصب في الدولة بما فيها رئيس، ولكنني رفضت هذه العروض لأنها تأتي ضمن الاستقطاب الداخلي والخارجي لخدمة وصالح قوى أخرى وليس لخدمة ولصالح الوطن.
شهدت السنوات من 81 إلى 85 انفتاحا سياسيا ونهضة عمرانية وثقافية، ما هي أجمل ذكرياتك عن تلك الفترة؟
– نعم، شهدت هذه الفترة انفتاحا سياسيا في الداخل والخارج لأنه كان علينا أن نبدأ بإصلاح البيت الداخلي قبل أن ننتقل إلى إصلاح علاقاتنا بالجيران وهكذا بدأنا فقد شهدت العلاقة بين الشمال والجنوب تطورات إيجابية على الصعيد الوطني بوقف الحروب بين الشمال والجنوب ووقف الحروب في المنطقة الوسطى 1972 – 1982 والاحتكام إلى لغة الحوار بدلًا من السلاح لتحقيق الوحدة اليمنية.
كما شهدت العلاقات اليمنية العمانية والسعودية والإماراتية والكويتية والبحرينية انفتاحا وتعاونا بين اليمن الديمقراطية لمصلحة اليمن وأمنها واستقرارها وسيادتها ولمصلحة دول وشعوب هذه المنطقة بعد صراعات وحروب وقطيعة مع هذه الدول استمرت لسنوات، وقد أدى هذا إلى أن نتفرغ للتنمية وشهدت اليمن الديمقراطية نهضة عمرانية وثقافية، كما أشرتم في سؤالكم، ولكن هذا كان دون الطموح المشهود الذي كنا نحلم به، وقد سمى البعض هذه الفترة بالذهبية، ولكن كانت هناك قوى محلية وإقليمية ودولية ترى أن ذلك التطور الذي حصل يتعارض مع مصالحها في اليمن والمنطقة.
عندما اندلع الصراع في عدن عام 86 أعلنت وسائل الإعلام الأجنبية أنه صراع قبلي، فهل هي مقولة صحيحة؟ وهل هناك احتمالية أن يتكرر؟
– ما حدث في عام 1986م لم يكن صراعا قبليا وليس صراعا بين القبائل الماركسية، كما كانت تردد بعض الوسائل الإعلامية المُعادية لنا، وإنما كان الخلاف سياسي حول مشاريع سياسية، فالسياسة التي اتبعناها محليا وإقليميا كان البعض في القيادة ليس معها سواء في العلاقة مع صنعاء، حيث إن البعض كان يرى ضرورة إسقاط النظام في صنعاء لتحقيق الوحدة، وأنا كنت أرى أن الدخول إلى صنعاء يتم عبر الحوار وليس عبر الحرب.
والسبب الثاني هو العلاقة مع الخليج، حيث وقف البعض ضد تطبيع العلاقة مع عُمان 1982م وطالب باستمرار تقديم الدعم للجبهة الشعبية لتحرير عُمان رغم أن العمليات العسكرية توقفت عام 1975م وليس 1982 بسبب الخلافات بين قيادات الثورة العمانية، إضافة لعلاقتنا مع بعض الدول الغربية كشراء الطائرات بوينغ 737 وغيرها، ولم يكن ذلك على حساب العلاقة مع أصدقائنا في المعسكر الاشتراكي حينها ولكن هذه السياسة كانت تخدم اليمن الديمقراطية واستقرارها وتطورها، كما أن هذه العلاقة التي أقمناها مع دول المنطقة كانت لمصلحة الجميع ولم نقدم أية تنازلات في القرار والسيادة الوطنية.
جمعتك صداقة وطيدة وعلاقة طيبة بالشيخ زايد رحمه الله.. حدثني عن هذه العلاقة؟
– كان أول اتصال بيني وبين الشيخ زايد تم في عام 1974 بالمصادفة عندما كنت أترأس وفد بلادي إلى مؤتمر القمة الإسلامية الثاني بلاهور، بدا لي سمحًا، حاد القسمات يشع بالطيبة ونبل الخلق وصفاء القلب، ويذكرك بعرب المناطق الصحراوية، في قسماته وسماته ولباسه، كل ذلك يؤكد أنه شخصية عربية فذة تتمتع بالحكمة، وبعد النظر والقدرة على التعامل مع التعقيدات السياسية في كل المنطقة.
كان ذلك اللقاء بداية لمسيرة طويلة من العلاقات الرسمية والشخصية بيني وبين صاحب السمو والتي امتدت حتى وفاته، وأشهد أنه قدم خلالها كل أشكال الدعم لليمن في كل المجالات الزراعية والصناعية والكهرباء والعمران وغيرها، و “هل يستطيع التاريخ أن ينسى أن زايد الخير هو باني سد مأرب الحديث؟”.
وكان زايد يساعد بعض الدول العربية والإسلامية التي كانت بحاجة إلى العون للتغلب على أزماتها ومشاكلها الاقتصادية والمالية، وأتذكر أن الرئيس جمال عبدالناصر قال لي في أول لقاء لي معه عام 1970 بأن الشيخ زايد رحمه الله، قد جاء إلى مصر بطائرة خاصة بعد نكسة يونيو ونزل في فندق الهلتون واتصل بالرئاسة لطلب المقابلة، وقدم في هذه الزيارة مساعدة تقدر بحوالي 5 ملايين دولار لمصر وللمجهود الحربي، وكان ذلك قبل استقلال الإمارات وقيام الدولة عام 1971، وهو الذي وقف مع مصر والدول العربية في حرب أكتوبر 1973م، وقال إن النفط العربي ليس أغلى من الدم العربي، هذا هو زايد حكيم العرب.. والكبير يبقى كبير في الأزمات والملمات.
ارتبطت بعلاقة صداقة مع العملاق الاقتصادي المصري نجيب ساويرس، فهل يمكن أن تحدثنا عن هذه الصداقة؟
– تعرفت على أسرة ساويرس عندما قمت بزيارة إلى الغردقة عام 1995 وفي مقدمتهم عميد الأسرة الصديق أنسي سويرس، كما تعرفت على أبنائه نجيب وسميح وناصف بعد ذلك في اللقاءات معهم في القاهرة وسوريا واليمن، وكانت العلاقات ودية خالية من المصالح الشخصية، وكنت أتمنى أن تكلل هذه العلاقة والصداقة بإقامة المشروع السياحي في جزيرة سقطرى، التي زارها السيد أنسي ساويرس وابنه م. سميح بهدف الاستثمار فيها وتطويرها وتحويلها إلى أهم موقع سياحي في المنطقة والمحيط الهندي.
وقد أعجبوا كثيرا بجزيرة سقطرى ومناخها وشواطئها الساحرة والنباتات النادرة فيها وأهمها شجرة دم الأخوين وكذلك طيورها وأزهارها النادرة وكانت الجزيرة وسكانها بحاجة للاستثمار والاستقرار وتوظيف أبناءها وستكون مصدر دخل للبلد من العملة الصعبة، ولكن بعض المسئولين حاولوا أن يشتركوا مع أسرة ساويرس في هذا المشروع بنسبة 51 % مقابل الاسم فقط، وهذه عملية نصب كبيرة وخطيرة رفضها ساويرس الذي كان يحلم بهذا المشروع العملاق، واستثمر لاحقاً في عُمان والإمارات وغيرها بينما كان اليمن بحاجة لهذا المشروع الهام.
كيف ترى الدور المصري؟
– لا يمكن تجاهل دور مصر في الصراع الإقليمي والدولي بحكم الموقع الذي تتمتع به والتاريخ والحضارة والكثافة السكانية، فمصر هي قلب الأمة العربية، وعندما تنهض مصر تنهض الأمة العربية كلها من المحيط إلى الخليج، وقد ضحت كثيرا من أجل الأمة العربية، وفي المقدمة القضية الفلسطينية واليمن وغيرها من الدول العربية والأفريقية، ولهذا فإننا نحن نعول على أن تلعب مصر دورها التاريخي في قيادة هذه الأمة لما لها من مكانة خاصة وتأثير خاص على المستوى الإقليمي والدولي.
بعيدًا عن الأزمة اليمنية، كيف تتابع المرحلة الحرجة التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط الآن وفي مقدمتها ليبيا وسوريا والعراق والقضية الفلسطينية؟
– تمر المنطقة العربية بأسوأ مرحلة في تاريخها بسبب الصراعات التي عصفت بها وفي المقدمة ليبيا وسوريا واليمن والعراق والقضية الفلسطينية كما أشرتم، ونحن نأمل أن تتجاوز هذه الدول والشعوب المحن والأزمات التي تمر بها وإعادة تعمير ما دمرته الحرب وإعادة الأمن والاستقرار لأن البديل هو الفوضى والإرهاب الذي لن ينجو منه أحد كما حدث في السودان والجزائر.
كيف ترى دور الجامعة العربية في التعامل مع أزمات المنطقة وفي مقدمتها الأزمة اليمنية؟
– يجب أن نعترف أن دور الجامعة العربية قد تراجع بسبب موقف الدول العربية من الجامعة نفسها، والتي تعتبر بيت العرب وأقامت كيانات وتجمعات أخرى على حساب الدور الرئيسي للجامعة، وكانت الجامعة العربية في الماضي سباقة لحل أي مشكلة في المنطقة كالمشاكل في السودان والصومال والكويت والعراق واليمن، وأتذكر أننا عندما اختلفنا واحتربنا في اليمن عام 1972 وعام 1979 بادرت الجامعة العربية لوقف الحرب واستضافت وفدين من اليمن شمالًا وجنوبًا برئاستي وأ. محسن العيني، وتم الاتفاق على توقيع أول اتفاقية للوحدة بين الشمال والجنوب في أكتوبر 1972 وبرعاية الأمين العام للجامعة حينها عبدالخالق حسونة أو الباشا كما كانوا يطلقون عليه، ولهذا فإننا نطالب برد الاعتبار للجامعة العربية ودعمها سياسيًا وماليًا لأن المشكلة ليست فيها أو في أمنائها العامين ولكن المشكلة تكمن في موقف الدول العربية منها.
“الفجر المصرية”