اهم الاخبارحائط

هزة قلم! وصدعت إسطنبول بالحق!

 

فازت إسطنبول عن جدارة واستحقاق! فلقد نطقت بالحكمة وفصل الخطاب.

إسطنبول مدينة الشعب التركي الأولى، ومقام مرشحي المستقبل الرئاسي.
إسطنبول مدينة السحر والجمال.. جمعت بين الأصالة والحداثة بكل معانيها ومقوماتها: السياسية والدينية والثقافية والحضارية.
جمعت بين الأصالة الإسلامية الشرقية والحداثة الأوروبية الغربية. علت فيها أنواع المآذن.. بعضها يؤذن في الناس بحي على الفلاح.. وبعضها الآخر بحي على الخسران والإنفتاح.. والإنبطاح أيضا.
مشاعر البشر فيها متضاربة بين الحنين إلى الماضي والمجد التليد أيام الخلافة الإسلامية العثمانية.. وبين الشوق إلى حياة الحرية بلا قيود، والإنحلال بلا حدود.
إسطنبول مدينة خلابة ساحرة بمناظرها وقصورها وقلاعها الجميلة، وبسحر سفنها المبحرة ليل نهار بين بحر مرمرة ومضيق البوسفور الذي يربطها بالبحر الأسود!
إنها مدينة حالمة بلياليها الصاخبة، لا تعرف للنوم طعما، وتسحرك بشقيها الشرقي والأوروبي.. فهي رمز للسياحة.. وقبلة للسياح من كل أقطار الدنيا.
ولقد سحرتنا دوما بعالمها الخاص البديع والإستثنائي، وتسحرنا اليوم بمتروهاتها الجديدة، وحدائقها الرائعة ومتنزهاتها الخلابة الجميلة، وأنفاقها البحرية، ومطارها الضخم، مطار إسطنبول الجديد.

ولا يزال سحرها يتواصل.. فهي لم تكتف بكل ما ذكرناه آنفا وما لم نذكره.. بل تفاجئنا اليوم بسحر آخر مبهر لم نعهده في أوطاننا الشرقية.. إنه سحر أعراسها الديمقراطية!
لفظت إسطنبول ديمقراطيا سيطرة الحزب الواحد! قال الإسطنبوليون كلمتهم: لا للديكتاتورية الديمقراطية.. ونعم للتعددية السياسية.
فاز مرشح المعارضة أكرم إمام أوغلوا العلماني، وخسر مرشح الحزب الحاكم الإسلامي، ورئيس الوزراء الأسبق بن علي يلدريم خسارة فادحة، وذلك في جولة الإعادة النزيهة.
لم يخسر مرشح حزب العدالة والتنمية لأنه حزب فاشل، ولا لأنه إسلامي.. فلقد سيطر هذا الحزب على كل المناخ السياسي التركي منذ ما يقارب عشرين عاما، وفي كل الجولات الإنتخابية: البلدية والبرلمانية وكذلك الرئاسية، ونجح في قيادة البلد وإخراجه من تصنيف الدول النامية إلى مصاف الدول العظمى سياسيا واقتصاديا وعلميا وعسكريا. لقد حقق نجاحات عظيمة لا تعد ولا تحصى، ونهض بتركيا والشعب التركي أيما نهوض، فصار بلدا يحسب له ألف حساب، ويخشى من طرق بابه من قوة الجواب.

لكن كل ذلك وبعد كل هذا الاستحكام بكل مفاصل الدولة والتطور والرقي، كل ذلك لم يشفع له. بل رأى الشعب التركي أن الحزب قد استنفذ كل خياراته وإبداعاته في خدمة الأمة، وحان الوقت للتغيير والبحث عن الجديد الذي يضيف للحياة السياسية إضافات أخرى لا يقدر عليها الحزب الحاكم.
من هنا كانت المفاضلة والمفاصلة.. ومن هنا انطلق الشعب الحر في اختياره الحر.. حتى رسى على ضفاف المعارضة ممثلة بزعيمها القادم أكرم إمام أوغلو.

وهكذا خسر حزب الرئيس أردوغان أكبر وأهم مدينتين تركيتين، هما أنقرة وإسطنبول.
اللطمة لأردوغان وحزبه كانت كبيرة وغير متوقعة! لكنها بالنسبة لتركيا والشعب والديمقراطية ليست كذلك، بل هي انتصار للمبدأ..إنتصار للحرية.. إنتصار لممارسة التعددية السياسية الحقة..

لم أر حزبا سياسيا لا في الشرق ولا في الغرب خدم بلده كما خدمها حزب العدالة والتنمية وزعيمه رجب طيب أردوغان.. هذه شهادة للتاريخ، وحقيقة يشهد عليها القاصي والداني، والعدو قبل الصديق.. لا ينكرها إلا مغفل أو معتوه أو حسود حقود.. أو ديكتاتور!
لكن الشعب التركي لا ينظر للأمر بمنظار العاطفة، وإنما بالواقع السياسي والأرقام والحسابات الإقتصادية. وبرغم كل إنجازات الحزب الحاكم ورئيسه ورؤساء وزراء ووزراء، إلا أنه شعب يتطلع إلى الأمام، ويتوق إلى الأفضل، ولا يكتفي بما ينال..
ربما لا يكون القادمون الجدد أفضل من العدالة والتنمية، لكنه لا مناص من تجربة الآخر المعارض بعد أن استطاع إقناع الناخب التركي ببرنامجه الإنتخابي الواعد.

فما هي الرسائل المستقاة من خسارة حزب العدالة والتنمية الإنتخابات البلدية في دورتها الأخيرة، وخصوصا جولة الإعادة في إسطنبول؟؟؟
أحاول تلخيصها هنا باختصار في النقاط التالية:
١- الشعب التركي شعب واع ومتحضر ويتوق للديمقراطية التعددية.
٢- المواطن لم يعد نعجة تساق، بل هو من يسوق دفة السياسيين في البلد بتصويته الديمقراطي الحر، فلابد من إرضائه ببرنامج انتخابي طموح يحقق تطلعات الجماهير والدولة.
٣- إرساء دعائم الممارسة الديمقراطية الحرة.
٤- إرسال رسالة للحزب الحاكم أنك ببرامجك الحالية، وممارساتك السياسية الخطابية لم تعد تقنعنا، ولا ترضي طموحاتنا، فإما أن تتغير وتتطور.. وإما أن تستبدل وتغير، فهي بمثابة قرصة أذن أسالت الدم.
٥- تركيا أكبر من أن تحصر في حزب واحد، وأعظم من أن تحشر في زاوية البرنامج الانتخابي الواحد.
٦- للجماهير متطلبات وأمنيات أخرى غير الإقتصاد والسياسات العامة والدولية.. أهمها إطلاق الحريات.
٧- وهي الرسالة الأهم في نظري:
“لا لتأليه الأشخاص.. لا تأليه الحزب”.

أ. محمد الدبعي

زر الذهاب إلى الأعلى