في الوقت الذي يحتفل فيه العالم باليوم العالمي للمرأة، احتفاء بما وصلت له من استحقاقات أعادت لها بعض حقوقها المسلوبة، لا يزال في العالم بعض الفجوات المخيفة التي لا تحظى به المرأة بأبسط حقوقها في التعليم، والصحة وحتى عيش طفولة سليمة.
من اليمن البلد الذي أنهكته الحروب، خرجت الدكتورة بلقيس محمد علوان، امرأة لا تعرف المستحيل، متحدية كل الصعوبات، لتحقق حلمها، ولتقف في صف المرأة بقلمها المسنن ضد أعداء المرأة، وأنشطتها المجتمعية الكثيرة .
وبمناسبة اليوم العالمي للمرأة تحدثت الدكتورة بلقيس رئيسة قسم الإذاعة والتلفزيون السابقة والأستاذة المساعدة في جامعة صنعاء في قسم الاذاعة والتلفزيون، عن قصتة نجاحها لـ”أخبار الآن”، علها تلهم نساء بلدها ونساء العالم العربي، ليسعين لتحقيق أحلامهن دون استسلام.
تخطي الزواج المبكر
في البداية تحكي الدكتورة بلقيس قصتها، في القضية التي لا تزال تهدد فتيات اليمن الصغيرات حتى اليوم ،ألا وهي الزواج المبكر وتقول “كان من الممكن أن تكون حياتي شبيهة بحياة ملايين من النساء في بلادي والوطن العربي والعالم، كان من الممكن ألا أدخل عتبة المدرسة، وبالتأكيد الجامعة، لم يكن من الغريب وحتى الآن أن تتقدم أسرة إلى أخرى لخطبة ابنتهم لابنها وهي في الصف الخامس الابتدائي وهذا ما حدث لي!”
وتتابع ” أتذكر تماما رد والدي حينها: ابنتي صغيرة وما تزال تدرس، أتذكر رفض أمي التام للخطبة، وأتذكر لوم البعض لهما على الرفض، بحجة أن البنت طال الزمن أو قصر مرجعها للبيت والمطبخ والأمومة.”
التألق في البدايات
برز تميز الطفلة بلقيس باكراً ففي المرحلة الإعدادية تركت بصمتها في المدرسة بالمشاركة بالأنشطة وغيرها وتقول ” بالنسبة لي كنت متفوقة جدا في المدرسة ولي انشطة عديدة اجتماعية وثقافية وإعلامية، ففي المرحلة الإعدادية كنت مسؤولة إذاعة المدرسة لكل المراحل.”
الوفاء بالعهد رغم الفراق..
وتتابع ” الراديو والكتاب والدراسة ومساعدة والدتي في أعمال المنزل التي اجدتها في سن مبكر كانت ملخص سنوات حياتي إلى سنوات الثانوية خلال مرض والدي ثم وفاته رحمة الله عليه اخترت القسم الادبي وكان خيار محبطا لوالدي الذي كان يراني طبيبة ويناديني بالدكتورة، لدرجة أنه خاصمني لمدة شهرين، واشترط ليسامحني أن أحصل على المركز الأول في الثانوية العامة، لكني عندما حصلت فعلا على المركز الأول في الثانوية العامة كان قد توفي، لكني وفيت بوعدي.”
دعم الأسرة..
الظروف السياسية المحيطة كان لها انعكاس على حياة اليمنيين على مر السنوات، وكذلك الحال مع الدكتورة بلقيس التي تأقلمت مع الظروف بكل مرونة ولم تتخلى عن حلم الإعلام وتقول ” لم أتمكن من الحصول على منحة دراسية خارج اليمن لدراسة الإعلام أو العلوم السياسية بسبب حرب الخليج وتأثر اليمن اقتصاديا حينها، ولم يكن أمامي الا الدارسة في مدينتي التي لم يتوفر في جامعتها حينها إلا كليتي الآداب والتربية، سنتها حالفني الحظ بافتتاح قسم الإعلام بجامعة صنعاء، لكن العقبة بالنسبة لي مادية نظرا لوفاة الوالد وتأثر الأسرة ماديا، لكن والدتي حينها قالت لي الأولى بالجمهورية تدرس ما تريد وكذلك قال أخي الأكبر، وهو رأي خالفتهم في أسرتي الكبيرة التي لم تكن تفضل سفري ومغادرة مدينتي ولكني سافرت فعلا بدعم كبير من أخي ووالدتي التي كانت تعمل ليلا ونهار لدعمنا والانفاق علينا، فأمي كانت صاحبة مهنة وهي خياطة ماهرة جدا كانت الخياطة والتصميم هوايتها لكنها أصبحت مهنتها بعد وفاة والدي.”
تحمل المسؤولية والاعتماد على النفس
“عندما سافرت لصنعاء للدراسة واجهت صعوبات عديدة مادية واجتماعية، تخطيتها بالعمل ومنذ الفصل الثاني في المستوى الأول بدأت العمل في صحيفة ثم في الإذاعة وتمكنت بعدها من الانفاق على نفسي ودعم أسرتي أيضاً.
المركز الأول في تخصصي أهلني لأن أعين معيدة في كليتي ثم ابتعثت للدراسة في مصر ومنها حصلت على الماجستير والدكتوراه، وعدت إلى كليتي عينت رائدة للشباب في الكلية وترأست قسم الإذاعة والتلفزيون لسنتين، أنجزت العديد من أوراق العمل وشاركت في العديد من المؤتمرات والفعاليات والندوات، وفي كل مراحل حياتي الدراسية والأكاديمية لم أتوقف عن الكتابة وحتى الآن، لدي الكثير من المشاريع البحثية والعملية وأعمال التأليف، وأبحاث الترقية العلمية الأكاديمية التي ينبغي علي التركيز عليها حاليا و خلال السنوات القليلة القادمة.
إضافة لعملي الأكاديمي والإعلامي لدي اهتمامات عديدة ومشاركات في منظمات المجتمع المدني وتحديدا الخدمة المجتمعية، والحقوق والحريات، وبناء السلام.”
الزوج الداعم الأول
الدكتورة بلقيس اليوم متزوجة منذ واحد وعشرين سنة، وهي ام لشابين فراس 19 عام وإسلام 12، وتقول ” أسرتي الصغيرة، واسرتي أجمل شيء في حياتي، زوجي رجل رائع مثقف ومتعاون جدا ومتحرر ويساند قضايا ونضال النساء لنيل حقوقهن، ولم يكن من الغريب أن كان الداعم الأول لي عند سفري لاستكمال دراستي رغم أنا كنا حديثي الزواج وابننا عمره فقط سنة ونصف، لكنه دعمني بقوة وصدق وحب، في تصوري أكبر دليل على نجاح زواج ما ألا يندم أحد الطرفين في وقت ما على اختياره بل العكس، يتأكد له أنه كان محقا تماما ومنصفا في هذا الاختيار.
تطور واقع المرأة في العقود الأخيرة..
“بلغة الأرقام هناك نقلة كبيرة في تطور واقع المرأة، وهو ما قد يجعلنا نفخر ونشعر بالفخر والانجاز، لكن للأسف لغة الأرقام مضللة كثيرا، الاقتراب من واقع المرأة الريفية والفقيرة والمهمشة سنجد أن التحسن في مؤشرات ما وصلت له النساء شكلي وجزئي وغير مرض على الإطلاق، ما زالت المرأة الريفية التي تمثل في اليمن 75% من النساء، تتزوج مبكرا وبلا رضاها، يصادر أرثها، لا تختار شريك حياتها، لا تحظى بالرعاية الصحية في حدها الأدنى، تحاصرها الأمية، وإرث ثقيل من منظومة عادات وتقاليد جائرة، وفهم قاصر ومشوه للدين، العنف ضد النساء يتصاعد بشكل أكثر، تعصف الحروب والصراعات بها، وهي من تدفع الضريبة أولا وأخيرا، ليس فقط في توقف مسار تقدم بسيط ولكن أيضا، ولكن في انتكاسة وفقد ما تم اكتسابه.
بصيص أمل
” لكن هناك بصيص الأمل فيما يحدث أن الصراعات والحروب أحدثت اختلالا في موازين قوى العمل لصالح النساء فقد بدأت المجتمعات تحت وطأة البطالة وتأثيرات الصراع تقبل عمل النساء عامة وفي مهن لم تكن تقبلها خصوصا وهو مكسب يحملها فوق طاقتها ولكنه يظل مكسب سيكون من المحبط فقده إذا حل السلام، ولم نتمسك بك.”
مؤتمر الحوار الوطني كان انتصاراً للمرأة
-” في اليمن كنا عقب إنجاز مؤتمر الحوار الوطني الشامل وصلنا إلى حزمة مواد تخدم قضايا تمكين النساء بشكل لم يسبق له مثيل، وعلى رأس هذه المواد إقرار الكوتا لتمثيل النساء بنسبة لا تقل عن 30% في المجالس التشريعية ومراكز اتخاذ القرار وفي الأحزاب، لكن ما حدث بعد انجاز وثيقة الحوار والوطني ومسودة الدستور اليمني يمثل انتكاسة كبيرة، وعادة بعد عمليات إحلال السلام لا تكون قضايا النساء ذات أولوية مهما قلنا أو عملنا، وحتى مع القرار الأممي (1325)، وسيكون علينا ولدينا الكثير لنفعله.”
مفارقات..
– الغريب أن النساء أنفسهن يتراجعن في نضالهن من أجل الحقوق الكاملة، وأحيانا كثيرة يكن محبطات لمن يتبنى هذه القضايا، فأصبح من المألوف أن نسمع شابات صغيرات يقلن: مش معقول أهدر حياتي في الدراسة والتعب، أنا أحب أعيش مدللة، وأتستت، ارتباطهن بالتعليم أقل، طموحاتهن محدودة وموجه نحو أمور شكلية ومادية، في الوقت الذي تبرز أخريات في ألق رائع من التميز والعطاء والتمكن والاستحقاق، وهذه مفارقة!
تحديات..
أما عن التحديات التي تواجه المرأة العربية واليمنية فشاركت الدكتورة رأيها بالقول ” تحديات كبيرة وكبيرة جدا، وغير منصفة، اليمن وأجزاء كبيرة من المنطقة العربية تعيش في ظل حروب وصراعات، أحدثت انتكاسة كبيرة في حياة المرأة، حملتها فوق طاقتها، أفقدتها كثيرا من الامتيازات التي كانت اكتسبتها سابقا، هناك تراجع مفزع في الاقبال على التعليم، تحت وطأة الفقر تتصاعد أعداد النساء الاميات من جديد، واعداد الفتيات اللاتي يجبرن على الزواج المبكر، العنف ضد النساء يتصاعد أيضا ماديا ومعنويا، لكن المرأة تثبت دائما أنها قد التحدي، وبجدية وصبر ممكن أن تحدث الطفرة التي ليس بعدها انتكاسة.”
وتتابع :”لا يكفي ان يكون لدينا قوانين، لا تطبق، لا يكفي ان يكون لدينا نشطاء وساعون من أجل إنصاف وتمكين النساء”
رسالة للنساء اليمنيات ونساء العالم
“من لا يساعد نفسه لا يتوقع المساعدة من أحد، ومن لا يؤمن بأنه جدير بالحق لا يناله، ولا تتوقعي من أحد أن يبدأ ابدئي بنفسك، الاستقلال الاقتصادي يجعلك حرة تمليكن قراراتك وايمانك بحقوقك هو ما يجعلك تتمسكين بهاو تسعين لتحقيقها.
التأهيل المستمر للذات يجعلنا نواكب الحياة ونستعد للتعاطي مع متطلباتها.
لن تنهض النساء إلا بنهضة كل النساء الموضوع لا يتجزأ”.
المصدر : اخبار الان