التقارير الأخيرة التي تناولت الوضع في الأردن، بما فيها بيان القصر الملكي الذي قال إنه لا خوف من الخلافات داخل البلاط وأن الأمير حمزة، الذي كان ولي العهد السابق، يعترف بصلاحيات الملك عبد الله… ينشأ انطباع بأنه لم يكن في الأمر حدث لمحاولة انقلاب عسكري في المملكة بل محاولة بناء بؤرة معارضة للنظام وفشلت؛ إذ لم يبلّغ من أي مصدر عن دبابات في الشوارع، ولم تُبلغ أي شبكة اجتماعية عن تحركات جماهيرية نحو ميادين عمان كمقدمة لثورة شعبية كالتي في ميدان التحرير في القاهرة. الأمر المؤكد الوحيد هو أنه وبأمر من الملك عبد الله، اتخذت خطوات ضد أخيه غير الشقيق. ولكن لا يوجد حتى على جوهر الخطوات توافق بين التقارير المختلفة: اعتقال؟ نفي؟ عقوبات أخرى؟ الانطباع الناشئ هو أن النظام القائم في الأردن يخاف من التآمر الداخلي. وفي الوقت الحالي، تقرر العمل بخلاف الماضي، وجعل خلاف داخلي في البلاط الملكي موضوعاً علنياً وجماهيرياً. لماذا؟
يخيل أنه يجب البحث عن التفسيرات في مجال الخارج. عمان، مثل القدس، تفهم بأن الإدارة الجديدة في واشنطن تفحص مجدداً منظومة التحالفات الدولية للولايات المتحدة. وللمملكة الهاشمية مصلحة للإيضاح بأنها إذا ما هجرت، فمن المتوقع لها مخاطر عديدة. رسالة الملك عبد الله واضحة: الأردن ليس جزءاً من المنظومة السياسية الإقليمية – السعودية، ودول الخليج، وإسرائيل. لا يوجد ما يدعو إلى أن يكون تفضيل توثيق العلاقات مع إيران على العلاقات القائمة مع الحلفاء التقليديين أن يشمل الأردن أيضاً.
وحسب رأي عبد الله، فإن الطريق الوحيد لخلق عطف أمريكي هو من خلال عرض مصطنع لخطر على النظام، ومن هنا على استقرار المملكة والمنطقة كلها. وتدخل إلى هذه المعادلة أيضاً العلاقات المركبة مع إسرائيل: في أثناء حكم الملك الراحل الحسين كان يمكن للمملكة الهاشمية أن تعتمد على إسرائيل في الهرع لنجدتها إذا ما تعرضت للخطر، غير أن الملك الحالي لا يتشارك بهذا المفهوم. ومن شأن أي إشارة خطر على النظام أن تكون عنصراً أول في بناء المبرر للمساعدة السياسية والعسكرية والاقتصادية الأمريكية.
خطر آخر من جهة الإدارة الجديدة ينطوي عليه خطر التقدم في المسار الفلسطيني على حساب الأردن. ليس سراً أن تأييد الأردن التقليدي لإقامة دولة فلسطينية ليس سوى ضريبة لفظية للإجماع العربي الذي لم يعد وراءه منذ سنين أي فعل سياسي. فإقامة دولة فلسطينية قد تضعضع وجود المملكة التي أكثر من نصف سكانها من الفلسطينيون. والرسالة هنا بسيطة: إن كل انشغال بموضوع فلسطيني يتجاوز الخطوات العابثة سيعرض الأردن للخطر، الذي على أي حال يعيش مصاعب خاصة به. كما أن استئناف المساعدة الاقتصادية الأمريكية للفلسطينيين يبرز الحاجة إلى مساعدة أمريكية مكثفة للأردن. كل هذا يضع إسرائيل أمام الحاجة إلى تفكير استراتيجي: ألا تزال هناك مصلحة إسرائيلية بوجود المملكة بصيغتها الحالية؟ برأيي، رغم ضائقة المملكة – الاقتصادية والصحية والسياسية – فلإسرائيل مصلحة جمة في استمرار وجودها بصيغتها الحالية. فضلاً عن ذلك، وإذا أخذنا بالحسبان حجوم وباء كورونا، فواجب على إسرائيل أن تساعد بالسر وبشكل غير مباشرة المملكة سواء بالتطعيمات أم بطواقم طبية عربية؛ فلهذا الغرض أقيمت وزارة التعاون الإقليمي.
بقلم: البروفيسور ألكسندر بليه
مساعد باحث في جامعة حيفا
معاريف 11/4/2021