المصدر: العربي الجديد
دفعت الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعرفها اليمنيون بمعظمهم، منذ بدء الحرب في البلاد قبل نحو خمسة أعوام، نساء كثيرات إلى سوق العمل والهدف إعالة عائلاتهنّ. وعلى الرغم من العادات والتقاليد التي تقيّد حرية المرأة في اليمن، فإنّ عدد اللواتي يلتحقنَ بسوق العمل في تزايد مستمر، علماً أنّ كثيرات منهنّ رحنَ يعملنَ في مهن كانت حتى وقت قريب حكراً على الرجال فقط.
نهلة عبد الرحمن (26 عاماً)، من هؤلاء النساء اليمنيات، وقد اضطرت إلى العمل في أحد المراكز التجارية في صنعاء كبائعة ألبسة بهدف مساعدة أسرتها بعدما فشلت في العثور على وظيفة حكومية أو خاصة أخرى منذ تخرّجها من الجامعة قبل أعوام. تقول لـ”العربي الجديد”، إنّ “عمل المرأة في اليمن كبائعة في المحال والمراكز التجارية يمثّل تحدياً كبيراً بسبب العادات والتقاليد التي تُقيّد حريتها في هذا السياق وتمنعها من الالتحاق بسوق العمل”، مشيرة إلى أنّ “يمنيين كثيرين يظنّون أنّ الهدف الرئيسي من عمل المرأة في المراكز التجارية هو جذب الزبائن وزيادة المبيعات، وهذا أمر خاطئ”. ولا تنكر نهلة أنّها تتعرّض بشكل مستمر إلى مضايقات في أثناء عملها من قبل الزبائن، “لكنّني اعتدتها مع مرور الزمن وبتّ أعرف كيف أتعامل معها. كذلك لم أعد أكترث لما يقوله الناس عنّي بسبب عملي في مركز تجاري، والأهم بالنسبة إليّ حالياً هو الاستمرار في عملي لمساعدة عائلتي”.
من جهتها، تخبر فائزة الآنسي “العربي الجديد”، بأنّه “بعد وفاة زوجي، اضطررت إلى تحمّل مسؤولية تربية طفلي لوحدي. ولأنّني لا أملك مصدر دخل ثابتاً، بحثت عن عمل أستطيع من خلاله توفير متطلبات الحياة الأساسية لي وله. فعثرت على عمل في مركز تجاري، لكنّني تركته بعد مدّة وجيزة بسبب سوء معاملة صاحب المركز ومماطلته في سداد الرواتب، إلى جانب أنّ مردوده المادي كان ضعيفاً بالمقارنة مع ساعات العمل المطلوبة”. تضيف الآنسي أنّه “في خلال فترة عملي في المركز التجاري تعرّفت إلى مستوردي ملابس بالجملة، لذا قرّرت شراء بضاعة منهم ثمّ رحت أبيعها في الحيّ حيث أسكن. فأتت النتيجة جيّدة، وقد سُجّل إقبال كبير على ما أبيع في فترة قصيرة. وهذا ما شجّعني بالتالي على فتح محلّ في بلدتي، وصار لديّ اليوم مصدر دخل ثابت وتحسّنت حالتي الاقتصادية كثيراً”. وتوكد الآنسي أنّ “النساء في اليمن يعشنَ أوضاعاً بالغة السوء وهنّ في حاجة ماسة إلى العمل لمساعدة عائلاتهنّ”، مشددة على “ضرورة أن يغيّر المجتمع نظرته إلى المرأة العاملة”، وداعية الحكومة اليمنية والمنظمات الدولية والمحلية العاملة في المجال الإنساني “إلى مساعدة النساء وإلحاقهنّ بسوق العمل بعد تأهيلهنّ”.
في المقابل، كثيرات هنّ اليمنيات اللواتي لا يملنَ إلى العمل في المحال التجارية لأسباب مختلفة، منها ما يتعلّق بنظرة المجتمع إلى المرأة العاملة في المناطق الشمالية والشرقية تحديداً. وفي السياق، تقول سميرة عبد الوهاب لـ”العربي الجديد”، إنّ “النساء يفشلنَ عادة في مثل هذه الأعمال لأنّهنَّ يعشنَ في مجتمع ذكوري، ولا شك في أنّ ثمّة أصحاب محال تجارية يشغّلون النساء في متاجرهم كي يجذبنَ الزبائن، وهذا أمر لا يمكن أن أقبله على نفسي”. وإذ تشير عبد الوهاب إلى أنّ “النساء اللواتي يعملنَ في المحالات التجارية يُجبرنَ على ذلك بسبب ظروفهنّ المعيشية السيّئة”، فإنّها تنصح النساء بـ”عدم الاستسلام للظروف بل البحث عن أعمال تناسبهنّ. وقبل كل شيء، يتوجّب عليهنّ التأكد من سلامة نوايا أصحاب الأعمال التي يتقدّمنَ للعمل فيها”. تضيف عبد الوهاب: “وأنا اطّلعت على تجارب كثيرة حاولت النساء فيها وبكلّ شجاعة مواجهة نظرة المجتمع والعمل في محال تجارية، لكنّهنّ تركنَ أعمالهنّ في النهاية بعد مضايقات تعرّضنَ لها”، لافتة إلى “إمكانية العمل في محال تجارية لبيع مستلزمات النساء فقط”. وتتساءل: “لماذا لا تُنشأ محال تجارية خاصة بالنساء ولا تدخلها إلا النساء؟ بهذا فإنّ كثيرات قد يجدنَ فرصاً مناسبة للعمل وعائلاتهنّ سوف توافق على هذا النوع من العمل”.
في السياق، تقول أمل الشميري، وهي مدرّسة، إنّ “المرأة اليمنية تمكّنت من كسر حاجز الخوف والعمل في مهن لم تكن متاحة لها قبل الحرب في البلاد، نظراً إلى أنّها كانت تُعَدّ حكراً على الرجال فقط، من قبيل خدمة الزبائن في المطاعم أو البيع في محال تجارية”. تضيف لـ”العربي الجديد”، أنّ “نظرة المجتمع السلبية إلى النساء العاملات بدأت تتغيّر واستُبدلت بنظرة احترام (من قبل عدد لا بأس به من اليمنيين)، إذ إنّهنّ يعملنَ من أجل مساعدة عائلاتهنّ، بخلاف النظرة السابقة التي تُجرّم عمل المرأة وخروجها من المنزل في الأساس”. وتشير الشميري إلى أنّ نساء كثيرات صرنَ “المعيل الوحيد” لعائلات بأكملها في خلال أعوام الحرب الأخيرة، “نتيجة فقدان الرجال أعمالهم أو بسبب وفاتهم”.
أمّا المتخصصة الاجتماعية هيفاء ناصر فتقول لـ”العربي الجديد”، إنّ “المجتمع اليمني لا ينظر إلى عمل المرأة كعيب، عموماً، بل إلى بعض المهن التي لا يمارسها إلا الرجال غالباً، لكنّني أعتقد أنّ هذه النظرة سوف تتغيّر في خلال الفترة المقبلة تدريجياً”. تضيف أنّ “اليمنيين لم يعتادوا مشاهدة امرأة في محل تجاري تخدم الزبائن، لكن عليهم أن يبدأوا بتقبّل ذلك من اليوم فصاعداً”. وتشير ناصر إلى أنّ “المرأة اليمنية كانت وما زالت تمارس أعمال البيع في الأسواق، فكثيرات يبعنَ الخبز والبيض والخضار وأطعمة أخرى في أسواق صنعاء القديمة، من دون أيّ تحفظ”، متسائلة “أين العيب في ذلك ما دامت المرأة تعمل بكل احترام؟ وإذا كان ثمّة رجال يسيئون إلى المرأة العاملة أو يحاولون التحرّش بها، فهذا ليس ذنبها”.