يأمل الجنوبيون بأن ينهي اتفاق الرياض حقبة الصراع والاصطفاف السياسي والعسكري في جنوب اليمن، وأن يفتح الاتفاق آفاقا جديدة في مجال الخدمات وتحسين البنية التحتية، بعد أن أصبح المجلس الانتقالي الجنوبي بموجب الاتفاق الحامل السياسي للقضية الجنوبية.
وينظر قادة المجلس الانتقالي الجنوبي الذين يوقع ممثلوهم الثلاثاء في العاصمة السعودية الرياض على وثيقة الحل السياسي مع الحكومة اليمنية بإيجابية إلى الاتفاق الذي جاء ثمرة حوار خاضه المجلس طوال الفترة الماضية.
ويصف سالم ثابت العولقي عضو قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي اتفاق الرياض بأنه “ثمرة للجهود الكبيرة التي بذلتها السعودية والإمارات واستهدفت إعادة ترتيب الأمور في محافظات الجنوب على نحو يعزز الاستقرار ويؤمن الخدمات ويهيئ لاستكمال بناء المؤسسات، فضلا عن توحيد الصفوف والجهود في معركة إنهاء انقلاب الميليشيات الحوثية ودحر المشروع التوسعي الإيراني”.
وتدور العديد من التساؤلات بشأن دور المجلس الانتقالي في مرحلة ما بعد التوقيع على اتفاق الرياض وطبيعة نشاطه السياسي، وهي التساؤلات التي يجيب عليها القيادي في المجلس الانتقالي الجنوبي سالم العولقي، معتبرا أن مرحلة ما بعد الاتفاق ستمثل تحولا جديدا في مسار المجلس ودوره، كما أنها ستؤسس لمرحلة جديدة من التمكين.
وأضاف العولقي في تصريح لـ”العرب”، “المجلس الانتقالي يعتقد أن موجبات هذه المرحلة تقتضي منا الكثير من الجهد للحفاظ على ما تحقق من انتصارات خلال الأعوام الخمسة الماضية وتحقيق المزيد منها خلال هذه المرحلة، فضلا عن الانطلاق بمهام جديدة تصب جميعها في مجرى تعزيز الاستقرار وإطلاق حركة التنمية والإعمار وبناء مؤسساتنا في الجنوب على أسس متينة وصحيحة وصولا إلى تحقيق تطلعات شعبنا”.
ولا يخفي العديد من المراقبين للشأن اليمني قلقهم إزاء جدية الأطراف الموقعة على اتفاق الرياض في تنفيذ بنوده من دون الولوج في خلافات محتملة حول تفسير بنوده، في ظل مؤشرات متصاعدة على بروز تيار من المناوئين للاتفاق سعى لتفجير الصراع خلال الأيام القليلة الماضية في مدينة أحور بمحافظة أبين.
ويرى خبراء أن الجزء المتعلق بالضمانات يظل أهم من بنود الاتفاق ذاتها، وعن الضمانات التي تضمنها اتفاق الرياض يؤكد العولقي وجود مثل هذه الضمانات لكنه يرى أن إرادة الجنوبيين والثقة بالتحالف العربي تعدان أكبر ضامن.
ويقول “لدينا شعب أبي يستطيع فرض إرادته متى شاء ولدينا أشقاء تعمدت شراكتنا وتحالفنا معهم بالدماء في كل جبهات المواجهة ضد المشروع التوسعي الإيراني والجماعات الإرهابية، نثق في الضمانات المقدمة منهم وقدرتهم على تنفيذ هذا الاتفاق”.
وينظر العديد من قادة المجلس الانتقالي إلى اتفاق الرياض على أنه مكسب إضافي في مسيرة القضية الجنوبية، وانتصار سياسي يفتح آفاقا جديدة أمام المجلس لتبني القضية وطرحها أمام المحافل الدولية.
وعن أبرز الَمكاسب التي تضمنها الاتفاق في ما يتعلق بالقضية الجنوبية، يقول عضو قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي “الاتفاق يفتح آفاقا واسعة أمام قضيتنا الجنوبية ويعزز ما تحقق من انفتاح إقليمي ودولي تجاه القضية وحاملها السياسي المجلس الانتقالي الجنوبي، فضلا عن أنه يتضمن ترتيبات تعزز من استقرار الجنوب وبناء مؤسساته واستكمال تحريره من الجماعات الإرهابية والقوى الراعية لها”.
وتساور الكثير من الجنوبيين مخاوف من مرحلة ما بعد الاتفاق بالنظر إلى مآلات الاتفاقات السياسية في التاريخ اليمني المعاصر والتي انتهت بحروب ونزاعات طويلة، كما هو الحال مع وثيقة العهد والاتفاق التي وقع عليها الرئيس اليمني الراحل علي عبدالله صالح مع نائبه علي سالم البيض في العام 1994، وصولا إلى مؤتمر الحوار الوطني واتفاق السلم والشراكة.
ويشير العولقي إلى أن هذه المخاوف نابعة من معرفة البعض بسوء النوايا لدى الطرف الآخر، مستطردا “لم نكن دعاة حرب ولا تصفية حسابات ولهذا ذهبنا إلى جدة والرياض ومكث رئيس مجلسنا ووفد التفاوض المرافق له زهاء شهرين هناك دعما لجهد الأشقاء وإيمانا بالحوار والسلام”.
وأضاف “لذلك أقول إننا سنلتزم بتنفيذ ما اتفقنا عليه ونأمل من الطرف الآخر ذلك وتوحيد جهودنا جميعا في خندق مواجهة الحوثيين وصولا إلى دحر المشروع التوسعي الإيراني عن المنطقة، على الرغم من أن مؤشرات سوء النوايا من بعض الأطراف واضحة وما حدث الأسبوع الماضي في أحور خير دليل”.
ويصف العديد من المراقبين مرحلة ما بعد اتفاق الرياض بأنها ستكون مختلفة على كافة الأصعدة، بعد إعادة ترتيب البيت الداخلي في المناطق المحررة جنوب اليمن، وإعادة التموضع السياسي والعسكري والأمني الذي سيرافق خطوات التنفيذ للاتفاق.
وعلى صعيد التحول السياسي يقول سالم العولقي إن قائمة أولويات المجلس الانتقالي في المرحلة القادمة ستشتمل على قيام المجلس بمهامه على أكمل وجه في المرحلة التي يقول إنها ستتمحور حول “استكمال التمكين وتحصين الانتصارات التي تحققت في معارك تحرير الجنوب من الغزاة الحوثيين ومن جماعات الإرهاب ورعاتها، فضلا عن مهام تعزيز التلاحم الجنوبي وبدء عمليات الإعمار وتوفير الخدمات وتهيئة مناخات التنمية والاستثمار.. وتعزيز الشراكة مع التحالف العربي كذلك”.
وينفي العولقي وجود أي توجه لتفكيك قوات الحزام الأمني والنخب الحضرمية والشبوانية، وهي المخاوف التي تساور بعض أنصار المجلس الانتقالي، مشيرا إلى أن ما سيحدث لهذه القوات وفقا لاتفاق الرياض هو إعادة تنظيمها وترقيمها في إطار مؤسسة أمنية لتتولى مهام تأمين محافظات الجنوب تحت إشراف قيادة التحالف العربي.
وعن دور المجلس في اختيار قيادات السلطة المحلية والأمن في المحافظات الجنوبية، في ضوء اتفاق الرياض، يؤكد العولقي لـ”العرب” أن المجلس سيكون شريكا في ترشيح قيادات السلطات المحلية والأمن بمحافظات الجنوب من خلال شراكته في اللجنة المشتركة والتي مهمتها تنفيذ اتفاق الرياض وتفسير نصوصه وغيرهما من المهام بإشراف التحالف العربي.
وفي ما يتعلق بتوقعاته للمرحلة القادمة على الصعيد السياسي، يرى القيادي في المجلس الانتقالي سالم ثابت العولقي أنه لا يزال من المبكر الحكم على ذلك بالنظر إلى الوضع المتداخل والمعقد. ويضيف “لكننا نتطلع إلى إحلال السلام وإعادة البناء وسنعمل من ناحيتنا على أن نكون من صناع السلام العادل وفق إرادة أبناء الجنوب التي ارتقى تحت رايتها الشهداء. وبكلمة واحدة: متفائلون”.
المصدر العرب