دودة الحرير تحولك إلى رجل أعمال.. تفاصيل الفرصة الكاملة
الصدفة وحدها وضعت شابا مصريا على طريق تجاوز مرحلة هواية تربية دودة الحرير ليدخل من خلالها إلى عالم رجال الأعمال في سوق متعطش.
قبل 10 سنوات، كان الشاب المصري سامح أحمد، الحاصل على بكالوريوس التجارة من جامعة طنطا عام 2001، يخرج إلى شوارع أحياء مصر الجديدة، حيث يقيم، باحثا عن أشجار التوت، التي وجد فيها ضالته، وطريقه نحو تأمين مشروعه الخاص لتربية دودة إنتاج الحرير، الذي يضمن له حياة كريمة.
سامح، ذلك الشاب الذي يبلغ من العمر 40 عاما، تستطيع تلمس ملامح شخصيته من التحدث معه تليفونيا، قبل أن تلتقيه وجها لوجه، فصوته الذي ينبض حماسا، يكشف عن شاب مختلف، وهو الانطباع الذي تأكد لي مع اللحظات الأولى للقائه، وهو يحكي عن البداية التي انطلق منها مشروعه الخاص.
يقول سامح مستعيدا تلك البدايات: “بفضل الله، لم أجد مشكلة في تأمين فرصة عمل عقب الحصول على البكالوريوس، حيث عملت في مكتب محاسبة، وبعدها سافرت إلى الكويت للعمل هناك، وعدت إلى مصر بعد 3 سنوات، عقب تعاقدي مع إحدى الشركات للعمل في مكتبها بالقاهرة، لكن ظل حلم تأمين مشروع خاص بي يسيطر على تفكيري، فكانت البداية مع إنتاج الحرير من دودة الحرير بعد العودة من الكويت بشهرين”.
وإنتاج الحرير من دودة الحرير واحد من الهوايات التي انتشرت في مصر بحقبة التسعينيات، وكانت المفاجأة أن سامح لم يكن من ممارسيها في مرحلة الطفولة، لكن الصدفة هي التي وضعته في هذا الطريق الذي تجاوز الهواية ودخل من خلاله إلى عالم الاحتراف، ليصبح واحدا من أهم منتجي الحرير، بل وصاحب رابطة تسعى لنشر تلك الفكرة.
والصدفة، التي يصفها سامح بـأنها “الأجمل” في حياته، كانت قصاصة من ورقة إحدى الصحف، تتضمن شرحا لإنتاج الحرير من دودة الحرير، وعند قراءتها قال لنفسه “وجدتها.. وجدتها”.
مسح السوق
دخل إنتاج الحرير بؤرة اهتمام سامح بعد قراءة هذه القصاصة، ليبدأ بعدها تلمس سوق إنتاج الحرير في مصر، الذي ينوي الدخول إليه، عبر ما يعرف بـ”مسح السوق”.
واستمر المسح لمدة عام ” من 2009 إلى 2010 “، وتوصل خلاله إلى أن أغلب الشركات التي كانت عاملة في هذا المجال خرجت من السوق لأسباب تتعلق بإهمال القائمين عليها أو سوء الإدارة، فأصبح أغلب الموجود في السوق مستوردا من الخارج.
هذه النتيجة أعطته الدافع القوي لاقتحام هذا السوق، وقال بكلمات تنبض حماسة: “أكثر ما يضايقني هو أن نضطر لاستيراد منتج يمكن إنتاجه محليا”.
ويعتمد المنتج بشكل أساسي على توفير أوراق التوت التي تتغذى عليها دودة الحرير، ليبدأ سامح بعدها مسحا من نوع آخر، يهدف إلى اكتشاف أشجار التوت في محيط إقامته، حتى يحصل على ورقها في تربية دودة الحرير.
وفوجئ سامح بأن وجود أشجار التوت ليس قاصرا على الريف المصري.
وقال وقد أصبحت عيناه تشع حماسا: “خلال رحلة البحث في شوارع مصر الجديدة، اكتشفت وجود 15 شجرة توت، دونت أماكنها بدقة، وبدأت أتردد على أماكن وجودها للحصول على أوراق التوت”.
لماذا أخجل؟
وبينما كان سامح يتحدث عن مهمته المعتادة للحصول على أوراق التوت من الأشجار المنتشرة في أحياء مصر الجديدة، ارتسمت ابتسامة على وجهي، فهم مغزاها، فقال: “كل من كان يشاهدني يبتسم، وكنت أرد على ابتسامتهم بابتسامة، لم أخجل أن أقوم بذلك، فأنا مقتنع بالفكرة، وتنفيذها يحتاج إلى هذه الأوراق”.
في هذه المرحلة من المشروع، كان سامح يوفر بيض دودة الحرير من مركز بحوث الحرير، التابع لمركز البحوث الزراعية، وذلك قبل أن يلجأ لاحقا لاستيراده من الخارج.
وتشكلت في تلك المرحلة ملامح الاستفادة المادية التي يمكن أن يحصل عليها من المشروع مع حجم الإنتاج الصغير، ويلخصها سامح في قوله: “ليحصل المربي على صافي 1500جنيها في الشهر، يمكنه تربية حوالي ( 3 علب بيض) لعدد 6 دورات في السنة على شجر التوت”.
وبمزيد من التفصيل يوضح سامح: ” يبلغ ثمن الثلاث علب بيض 750 جنيها، ويبلغ عائد بيع منتجها في الدورة الواحدة 3 آلاف جنيها، وبذلك يكون صافي الربح هو 2250 جنيها في الدورة الواحدة”.
ويضيف: ” إذا كان لدينا 6 دورات في السنة، فإن الربح الشهري سيكون 1125 جنيها (2250جنيها × 6 دورات = 13500جنيها ÷ 12 شهرا = 1125ج شهريا ) “.
الإنتاج الكبير
كانت الأرباح التي تحصل عليها سامح من الإنتاج الصغير مشجعة على الانتقال بالمشروع إلى مراحل أكثر تقدما، ولكن وقف أمام هذا التقدم عائق وجود المكان الذي يحتوي على عدد كبير من أشجار التوت، حيث أن الخمسة عشر شجرة التي عثر عليها في مصر الجديدة لا تصلح إلا لهذا الحجم الصغير من الإنتاج.
وتحتاج شجرة التوت البلدي، المنتشرة في الريف المصري لسنوات حتى تنمو وتصبح أوراقها صالحه لتربية دودة الحرير، ومع تعمق سامح في هذا المشروع عرف أن الاتجاه السائد عالميا هو استخدام شجرة التوت الهندي.
وتختلف شجرة التوت الهندي عن تلك المتعارف عليها بمصر، في أنها تنمر سريعا، ولا تنتج ثمار، لكن أوراقها ثبت صلاحيتها لتربية دودة الحرير.
فيسبوك
كاد سامح يفقد الأمل في الانتقال من مستوى الإنتاج الصغير إلى المستوى الأكبر، لكنه فكر في استخدام الفيس بوك للدعاية لفكرته، لعله يجد من يساعده.
ومن خلال صفحة دشنها على الموقع، أبدى أحد مالكي الأراضي في منطقة النوبارية حماسا للمشروع، وعرض على سامح زراعة نصف فدان يمتلكه في تلك المنطقة بأشجار التوت الهندي.
ويقول: ” زرعنا حوالي 3500 شجرة، غير أن المشروع لم يكتمل، بسبب قيام ثورة 25 يناير 2011، وحالة الانفلات الأمني التي صاحبتها، ولم أتمكن بسببها من السفر باستمرار لرعاية الأشجار”.
ويواجه المشروع عقبة جديدة، ويأتي الإلهام لمواجهتها مجددا من قصاصات الصحف، كما يحكي سامح.
وترتسم على وجهة ابتسامة عريضة، وهو يتذكر تلك اللحظات، قائلا: ” قرأت مقالا لأحد الأساتذة في كلية الزراعة، كان يدعو إلى زراعة أشجار التوت الهندي لتربية دودة الحرير باستخدام مياه الصرف الصحي، وعرضت الفكرة على نفس الصفحة بالفيس بوك، فتحمس لها أحد ملاك الأراضي بمنطقة الحزام الأخضر بمدينة السادس من أكتوبر، فدخل معي شريكا بالمشروع، وزرعنا حوالي 24 ألف شجرة، دخلنا بها مستوى الإنتاج التجاري المحترف.
رويدا رويدا
كانت النتائج التي تحصل عليها سامح سريعة ومبهرة، مما شجع كثيرا من ملاك الأراضي في الحزام الأخضر على طلب تنفيذ نفس الفكرة، ويوما بعد يوم يزداد نشاط المشروع، لينتقل إلى مرحلة أخرى من مجرد توفير الحرير الخام، إلى إنتاجه عبر ماكينات خاصة بذلك.
وإذا كان سامح في المراحل السابقة هو من يطلب المساعدة عبر الفيس بوك، فإن القفزة هذه المرة جاءت بعد تلقيه طلبا من أحد الأشخاص، بأن يدخل معه كشريك، نظير توفير ماكينات إنتاج الحرير.
وتحصل هذا الشخص على ماكينات إنتاج الحرير من أحد المصانع التي كانت تصفي نشاطها، لكنه عجز عن استخدامها لعدم قدرته على توفير الخامة.
سوق متعطش
ويحتاج السوق المصري إلى 350 طن سنويا من الحرير، بينما المنتج في مصر 1 طن فقط، ويتم استيراد الباقي.
ويقول سامح: “ما نساهم به من الطن الذي ينتج محليا، لا تتعدى نسبته الـ10 %، ونسعى لزيادة نسبة مساهمتنا خلال السنوات المقبلة”.
وفي سعيهم نحو زيادة نسبة المساهمة، انتقل سامح بمشروعه إلى مرحلة أبعد، ودشن في 2015 رابطة منتجي ومسوقي الحرير الطبيعي، والتي يقيم من خلالها دورات مجانية بالتعاون مع الجمعيات الأهلية لتدريب مربين جدد، كما يعلن عن تلك الدورات عبر صفحتهم بالفيس بوك ، لكل راغب في الالتحاق بها.
وتشتري الرابطة المنتج الخام لهؤلاء المربين من خلال التواصل معها عبر هذا الرابط.
ويضيف: “نحتاج لأي كمية كبيرة من المنتج، فالسوق متعطش، والكمية المتوفرة محليا ضئيلة جدا”.
مشروع قومي
ولا يحتاج المربي إلى إمكانيات كبيرة، ويمكن لأي شخص القيام بذلك إلى جانب عمله الأساسي.
ويقول: “كل ما يحتاجه المربي هو أوعية خشبية توضع بها دودة الحرير، وتوفير مناخ ملائم للتربية، ليحصل في النهاية على الحرير الخام”.
ويتمنى سامح أن يتحول إنتاج الحرير إلى مشروع قومي ليكون هناك أكثر من رابطة لتسويقه وانتاجه.
ويعدد الفوائد التي يمكن جنيها على أكثر من مستوى، بدء من تحسين البيئة بزراعة أشجار التوت، واستغلال مياه الصرف الصحي في زراعتها، وتوفير فرص عمل.
العين