من هي المرأة ‘‘التي نقضت غزلها’’ وذكرها الله في القرآن الكريم وحذّرنا أن نكون مثلها؟ (الاسم)
ذكر القرآن الكريم العديد من قصص النساء سواء بأسمائهن مثل السيدة مريم العذراء – عليها السلام – أو بدون ذكر أسمائهن واكتفى بالإشارة إلى قصصهن أو إحدى مواقفهن، وتأتي الكثير من هذه القصص أو المواقف لتكون عظة وعبرة للناس.
ومن ضمن تلك النساء، سيدة لم يذكر اسمها صريحا، ولكن ذكر الله تعالى أحد مواقفها الشهيرة عنها ليكون عبرة وعظة للناس، وجاءت الإشارة إلى هذا الموقف للنهي عن أمر جلل حذرنا الله تعالى منه في الكثير من آياته الكريمة، كما أنه يعد من الكبائر كما قال بعض العلماء، هذه السيدة هي المعروفة بـ “ناقضة الغزل”.. فمن هي ناقضة الغزل التي ذكرت في هذه الآية الكريمة ؟!
“هي أم سعد ريطة بنت عمرو، وقيل: سعيدة بنت عمرو، وقيل: سعد بن تيم بن مرة بن كعب، القرشية، وقيل: المريَة، وقيل: الأسدية، وقيل: هي رايطة بنت كعب بن سعد بن تيم بن لؤي بن غالب، وأمها هي: قبلة بنت حذافة”، وفقا لما جاء في (معجم أعلام النساء في القرآن الكريم) لعماد الهلالي.
كان يقال إن “ريطة بنت عمرو القرشية” امرأة مجنونة خرقاء من نساء أهل مكة، وتسمى “خرقاء مكة”، كانت تقوم بالغزل، وكان لديها أدواتها التي تستخدمها في ذلك، فقد اتخذت مغزلا طوله ذراع، وسنارة مثل الإصبع، وفلكة عظيمة على قدرها.
كانت تقوم هي وجواريها بالغزل من الصبح إلى الظهر، فإذا غزلت وأبرمت، تأمرهن بنقض ما قمن بغزلهن طوال هذه الفترة، وكانت تكرر ذلك باستمرار.
وقد جعل الله تعالى هذه المرأة عبرة وعظة للناس، وروى ابن مردويه عن ابن عطاء أنها شكت جنونها إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وطلبت أن يدعو لها بالمعافاة فقال لها عليه الصلاة والسلام: “إن شئت دعوت فعافاك الله تعالى وإن شئت صبرت واحتسبت ولك الجنة» فاختارت الصبر والجنة”، وفقا لما جاء في تفسير الألوسي.
وقد ورد ذكر “ناقضة الغزل” في القرآن الكريم في موضع واحد فقط، في قوله تعالى في سورة النحل (آية: 92): { وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ}.
ففي هذه الآية الكريمة نهي من الحق تبارك وتعالى لعباده عن نقض الأيمان بعد توكيدها، وأمر بالوفاء بالعهود، وقد شبه الله تعالى ناقض الأيمان والعهود بناقضة الغزل بعد إبرامه، فلاتكونوا أيها الناس في نقضكم أيمانكم بعد توكيدها، وإعطائكم الله بالوفاء بتلك العهود والمواثيق، كالتي نقضت غزلها من بعد قوة وإبرام، هذا بينه د. مهدي أسعد عرار في كتابه (معجم المرأة في القرآن الكريم: مفردات الكلام والأحكام والأعلام – دراسة معجمية دلالية سياقية)، وكما جاء في تفسير الطبري أيضا.
وعن قتادة، قوله: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا} فلو سمعتم بامرأة نقضت غزلها من بعد إبرامه لقلتم: ما أحمق هذه، وهذا مثل ضربه الله لمن نكث عهده.
فنقض العهود من الكبائر، مثلما قال بعد العلماء؛ منهم: الذهبي – وفقا لما جاء في كتابه (الكبائر)- ؛ حيث قال: “الكبيرة الخامسة والأربعون: الغدر وعدم الوفاء بالعهد”، وقال ابن كثير في كتابه (تفسير القرآن العظيم): “إن من صفات المنافقين، أن أحدهم إذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر، وإذا حدَّث كذب، وإذا ائتمن خان؛ ولذلك كان حال هؤلاء الأشقياء، ومصيرهم إلى خلاف ما صار إليه المؤمنون، كما أنهم اتصفوا بخلاف صفاتهم في الدنيا، فأولئك كانوا يوفون بعهد الله، ويصلون ما أمر الله به أن يوصل، وهؤلاء ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه” .
فقد حذرنا الله تعالى من نقض العهود والأيمان، وشبه من يفعل ذلك بهذه المرأة الخرقاء التي كانت تنقض غزلها بعد إبرامه.
*masrawy