حائط

ماذا تعلمنا من الحرب الروسية الأوكرانية؟

سنة 1936، كانت النازية في صعود ناري وفي توسع وتمدد على الصعيد السياسي والاقتصادي، حتما مع التوسع العسكري في أوروبا، وبناء على نظرية تجميع العرق الجرماني المنتشر في الدول المحيطة لألمانيا، وضمن أيديولوجية “مساحة العيش” التي ذكرها أدولف هتلر في كتابه “كفاحي”، بعد أن ألغى اتفاقية فرساي ودخوله منطقتي الألزاس واللورين، بدأت الحملة النازية التسويقية والدعائية من أجل الدخول إلى تشيكوسلوفاكيا، عندها قامت من كل من بريطانيا وفرنسا بالإسراع كي يقفا في وجه التمدد النازي، فتم عقد اتفاقية ميونخ سنة 1938 حينها تم الاتفاق على أن تأخذ ألمانيا منطقة السوديت، فعاد رئيس وزراء بريطانيا ونيفيل تشامبرلين فرحا إلى لندن حاملا معه ورقة السلام، ولكن تلك الاتفاقية ما هي إلا قصاصة ورق لا قيمة لها بالنسبة لهتلر، ما أشبه البارحة باليوم، وما أشبه هتلر بالرئيس الروسي بوتين الذي أظهر للعالم براعته في عملية القضم وكسب أوراق سياسية للتفاوض عليها وإعادة مجد الاتحاد السوفياتي السابق كما فعل هتلر لإعادة بناء الرايخ.

لن أدخل في التاريخ ووجه المقارنة بين النازية والروسية اليوم لأنه ليس جوهر موضوعنا، ولكن ما يحصل اليوم هو شيء متوقع وغير مستغرب، ما قامت به روسيا هو جزء من التدافع الأممي والبحث عن المصالح والدفاع والتوسع على حساب دول أخرى ضمن ما يعرف بالفطرة السياسية والأممية وانطلاقا من قاعدة “الطبيعة لا تقبل الفراغ”، فعندما لم يتحرك الغرب عندما بدأ هتلر بتوسعه وإلغاء اتفاقية فرساي وإعادة حدود ألمانيا السابقة، تحمست شهية هتلر لقضم المزيد من الأراضي والمزيد من الاستعلاء. لا شك أن ما تقوم به روسيا هو طبيعي لأنها شعرت بخطر دخول أوكرانيا إلى حلف الناتو وتهديد أمنها الإستراتيجي والسعي لتطويق روسيا الاتحادية سياسيا وعسكريا واقتصاديا من خلال انضمام كل من إستونيا ولاتفيا وليتوانيا وأوكرانيا وغيرها من الدول إلى الناتو، وهنا تكمن مشروعية الروسي في الدفاع عن نفسه، ولكن الروسي بعد سقوط الاتحاد السوفياتي لم يعد تلك القوة التي كان عليها سابقا، فلقد خسر الكثير من الأراضي والميزات السياسية والاقتصادية والعسكرية وحضوره على الساحة السياسية العالمية، واليوم هناك محاولات حثيثة وجدية للعودة إلى الثنائية العالمية، وغزو أوكرانيا حقيقة بدأ عندما لم يتحرك الغرب لكبح جماح الروس في أوسيتا الجنوبية، وهذا التدخل لم يلق أي رد غربي سريع وفعال، ثم جاءت الثورة السورية التي عُزز بسببها النفوذ الروسي وكسب أوراقا تفاوضية جديدة، فلقد تحولت سوريا إلى قاعدة عسكرية روسية لها اليد الطويلة في المنطقة، بتعزيز نفوذهم وأفول الأميركي في المنطقة عبر انسحابه من العراق وبقائه متفرجا أمام ما فعلته إيران وروسيا والمليشيات، فتلك تعتبر خطوة أخرى في سلم العودة إلى المشهد العالمي مجددا، ولكن تحرك الغرب وقام بالإطاحة بالحليف الروسي الرئيس فيكتور واندلعت الثورة البرتقالية، وكان رد الروسي عنيفا، وقام بضم شبه جزيرة القرم دون أي تحرك غربي، هذا الصمت فتح شهية الروسي للتدخل العسكري المباشر في سوريا دون حسيب ولا رقيب، فقام بضرب المعارضة السورية بكل أنواع الأسلحة واسترجع معظم مناطق النظام ضمن مبدأ وإستراتيجية المصالحات، كل ذلك الصمت أدى إلى أن يتجرأ الروسي للدخول في الحرب الأوكرانية اليوم، طبعا ليس من مبدأ إبعاد حلف الناتو عن حدوده فقط، ولكن هناك مصالح روسية إستراتيجية متعددة الاتجاهات (سياسية، اقتصادية، أمنية بالإضافة لزيادة أوراقه التفاوضية).

آثار اجتياح أوكرانيا
كما نعلم أن ذلك العالم الكبير أصبح قرية صغيرة بسبب العولمة الشمولية ومنها السياسية على وجه الخصوص، فإن آثار الاجتياح لن يبقى ضمن الحدود الروسية والأوكرانية، إنما سوف تكون عالمية. وعلى مستوى النظام العالمي لا شك أن تلك الحرب سوف تؤدي إلى زعزعت النظام الأحادي وسوف تفتح شهية كل من الصين في تايوان وزيادة التعنت الإيراني في المفاوضات النووية في فيينا.

واقتصاديا، سوف تكون كارثية على كل من روسيا وأوكرانيا، وخصوصا على عملاتهما المحلية التي بدأت فعلا بالاهتزاز والانخفاض، كما أنه تم فرض الكثير من العقوبات الاقتصادية على روسيا، والأهم من ذلك هو خروجها من نظام السويفت المالي العالمي، أما على صعيد الطاقة العالمية ومشتقاتها، فسوف يزداد سعر البرميل والغاز، إضافة إلى ارتفاع أسعار القمح والكثير من المواد الأساسية؛ لأن أوكرانيا هي سلة غذائية عالمية. أما على مستوى شرق الأوسط فلا شك أن ذلك سوف يكون له تأثير على كل من سوريا ولبنان وحرب اليمن.

ماذا تعلمنا من القضية الأوكرانية؟
في 2020 حققت أذربيجان نصرا بمساعدة تركيا على أرمينيا من خلال استخدام القوة واللعب على التناقضات الدولية التي حققت مصالح الدولتين دون أي تدخل غربي على رأسهم فرنسا والولايات المتحدة الأميركية وحتى روسيا التي لديها اتفاقية دفاع مشتركة مع أرمينيا والأخيرة عللت عدم تدخلها بأن الاتفاقية تنص على الدفاع عن العاصمة حصرا، ولكن السؤال أين العرب من تلك المعادلة وماذا تعلموا؟

الدرس الأول: “لا تسمح للنار أن تقترب من منزلك”، كان لدى الخليج عموما والسعودية خصوصا الفرصة كي يتصدوا للمشروع الإيراني في سوريا بعد أن سقطت البوابة الشرقية (العراق)، وهم من ساهموا بإسقاط صدام حسين، فهذه الفرصة كانت سانحة بالتنسيق مع مصر وتركيا بدل دعم الانقلاب في تركيا وفي مصر، قبل الدخول الروسي بشكل مباشر على أرض الواقع، حينها انتقلت سوريا من مشهد إقليمي إلى ساحة عالمية يتصارع فيها كل جيوش الأرض، فعندما تم اتخاذ القرار بإنهاء الثورة السورية وإطلاق يد الروسي، انتقلت المعركة إلى اليمن أي العمق الإستراتيجي للمملكة وحظيرتها الخلفية، وهكذا أصبحت المعركة في عقر دارهم، وعندما قامت الثورة العراقية في 2019، تدخلت إيران بقوة عبر مليشياتها وقامت بالقمع والترهيب، لأن العراق هو عمقها الإستراتيجي، حتى في سوريا عند بداية الثورة، لم تقف إيران مكتوفة الأيدي، فلقد قامت بإرسال حزب الله لقمع الثورة، فإن خسارة سوريا هي بداية استهداف المشروع الإيراني.

الدرس الثاني: الذي يجب أن يتعلمه العرب، “أن الأميركي تاجر، وهو بالمعنى الإستراتيجي لم يكن حليفا لهم ولن يكون”، ولقد أثبتت التجارب والأيام أنه لا يمكن الاعتماد عليهم، وهناك الكثير من الأمثلة مثل قصف أرامكو وقصف العمق السعودي وقصف دبي مؤخرا من قبل الحوثيين وغيرها من الاستفزازات الإيرانية، بالوقت أن الأميركي قام بشطب الحوثي عن لائحة الإرهاب ويسعى إلى إنهاء مفاوضات فيينا بشكل إيجابي بما يحقق المصالح الأميركية والإيرانية من دون الأخذ بعين الحسبان المصالح العربية، كي يتفرغ إلى الملف الصيني والروسي وإعادة ترميم العلاقات الأميركية والأوروبية التي قد تزعزعت بسبب الرئيس السابق ترامب.

عامر زياد جلول
كاتب وناشط سياسي لبناني

زر الذهاب إلى الأعلى