حائط

هل يعيد التاريخ نفسه؟

عبدالعزيز المقالح

د. عبدالعزيز المقالح
هو سؤال قديم جديد تكاثرت الإجابات عنه، وأجمعت أغلبية هذه الإجابات على موقف واحد يؤكد أن التاريخ لا يعيد نفسه، قد تتكرر بعض من ملامحه القديمة في الواقع الجديد، إلاَّ أنها سريعاً ما تُمحى.

ولو أن التاريخ يعيد نفسه لكانت الحياة قد تجمدت عند فصل واحد من فصولها الزمنية التي لا تشبه فصول السنوات وثبات تحولاتها ومناخاتها. التاريخ نهر لا يعرف التوقف، ولا يكفُّ عن التغيير، قد يكون هذا التغيير سريعاً في مكان من الأرض، وبطيئاً في مكان آخر منها. ويتوقف ذلك على نشاط أبناء هذا المكان أو ذاك أو كسلهم، وهو ما يثبته واقع الحياة في عالمنا المعاصر، حيث أثبتت حركة التاريخ وجودها الحافل في بعض مواقع من الكرة الأرضية في مقابل وجودها البطيء في أماكن أخرى من الكرة الأرضية نفسها.

يقول المؤرخون عن حركة الاستعمار في العالم: إنها كجزء مهم من التاريخ، قد ظهرت وامتد نشاطها العدواني إلى أكثر من مكان، ثم تلاشت تدريجياً بفضل الكفاح الوطني، لكنها حاولت العودة فلم تتمكن إلاَّ بعد أن أخذت شكلاً آخر سمّاه المؤرخون بِ «الاستعمار الجديد». وهكذا فإن تاريخ الشعوب وتاريخ الأحداث لا يتكرر، لأن الزمن نفسه – كما سبقت الإشارة – لا يتوقف ولا يعطي فرصةً للتكرار الكامل.

وفي واقعنا العربي أكثر من شاهد على أن التاريخ لا يكرر نفسه، فكثيرة هي الفئات والانتماءات المختلفة والخارجة عن منطق العصر حاولت أن تعيد عربة الزمن إلى الوراء، فباءت بالفشل الذريع، وتوقف نشاطها المحموم عند حد معين لا يتعداه، ولو أنها قد تمكنت من الإمساك بزمام الأمور لكانت قد أعادت الحياة في بعض أقطارنا إلى ما كانت عليه قبل قرون.
واللافت أن قوى الاحتلال الأجنبي التي عبثت بالوطن العربي قد سعت، ولا تزال تسعى، إلى إقصاء الإنسان العربي عن مجالات التطور، وهي لا تكف عن مساندة الفئات المتخلفة والدفاع عن مشاريعها المؤدية إلى جمود الحياة، واستمرار الشعوب في الاعتماد على الآخر، وفرض نفوذه الاقتصادي بعد أن فقد نفوذه السياسي. وقد ظهرت منذ بداية القرن العشرين دراسات مستقبلية على درجة عالية من الوعي بالواقع العربي ومشكلاته، وفي مقدمتها مشكلة الصراع بين القديم والجديد، ذلك القديم الذي يريد إثبات أن التاريخ يعيد نفسه، ويحلم بأن تتوقف الشعوب عند فترة معينة، والجديد الذي يريد إثبات أن التاريخ لا يكرر نفسه، وأن وقوفه عند فترة معينة ضرب من المستحيل. وكلما استمرت مسيرة الحياة صاعدة نحو المستقبل، زاد انتصار الجديد وازداد حضوراً ورسوخاً.
وتبدو حاجتنا إلى هذا الوعي في هذه اللحظة التاريخية الفارقة أهم من أي وقت مضى، فقد تكاثر أعداء الأمة والطامعون بالفوز بإحدى الغنائم التي سيتركها السقوط النهائي لهذه الأمة التي وصل وجودها الإنساني والحضاري في ماضيها الزاهي إلى أقصى مكان من الشرق، وأقصى مكان من الغرب.
إن تعبير «الأرض تدور» اعتراف مباشر بأن الحياة لا تكف عن الحركة والدوران نحو الأعلى، وفي قراءة عابرة لتاريخ البشرية في قرن واحد فقط ما يثبت هذه الحقيقة، فما كان عليه حالها في القرن التاسع عشر هو غيره في القرن العشرين. وما سيكون عليه حال البشرية في القرن الحادي والعشرين سيكون أكثر اختلافاً. ومن هنا فلا مكان للتاريخ في أن يعيد نفسه مهما كانت الدعاوى والأمثلة التي يوردها المتشائمون الذين يتجاهلون حركة الزمن، ولا يؤمنون بإرادة التاريخ وشوقه إلى التغيير.

abdulazizalmaqaleh@hotmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى