حائط

رمضان والإنفاق

فكرية شحرة

الحديث عن رمضان والعطاء لن يكون مكررًا أبدًا. لأن وضع الناس يزاد سوءًا كلما توغلنا في سنوات الحرب؛ رافق ذلك شحة في قدرة المنفقين على العطاء، مع حالة التضييق الشديد على التجار وأصحاب رؤوس المال..

بالإضافة إلى الغلاء الفاحش، الذي لم يتوقع أن يصل إلى هذه المستويات، في مواد أساسية لا غنى عنها، كالغاز المنزلي مثلا الذي ينعدم كليا؛ ويكفينا أن نعلم أن رمضان الكريم يأتي على العديد من الأسر ولا يوجد لديها مادة الغاز من أجل الطهو، كأبسط حقوق طبيعية..!!

لقد بلغ الناس أقصى حالات الاحتمال للأوضاع المتردية، على أمل أن تتحسن وتنتهي الحرب وتندحر المليشيا، أو تحكم كدولة فتوفر المرتبات والخدمات!!

حاول هذا المواطن الصابر استحداث البدائل المعيشية المؤقتة، من أعمال وحلول؛ حيث أضطر للتخلي عن مدخراته أو ممتلكاته، أو حتى أثاث منزله، على ظن أن لهذا الحال نهاية قريبة. كافح كثيرًا لترقيع ثوب حاجته بالمعونات والمساعدات، التي تحولت إلى سلاح ضمن أسلحة الحرب ضده..!!

في المقابل، لكل هذا الفقر السائد، الذي يعاني منه غالبية الشعب، نبت من ركام الحرب من استطاعوا تشغيل رؤوس الأموال، لتزدهر أعمالهم من ظهور الناس ومعاناتهم، ليصبح هناك فئة فاحشة الغنى تحتكر التجارة بأقوات الناس واحتياجاتهم.

من المؤسف أن يكون أقصى ما يبذله الكثير من التجار، هو عروض رمضانية في تخفيض السلع، تخاطب مجتمعًا فقيرا غير قادر على الشراء، مهما بلغ وصول القيمة إلى أدنى مستوى يستطيعه التاجر..!

رمضان الذي مثّلَ تظاهرة دينية، تحتشد فيها العبادات احتشادا، وليس الصيام فقط، وأتى الإنفاق كعمل موازٍ للصيام، لما فيه من استشعار جوع الناس، والإحساس بما يكابدون، مع فارق أن هناك من يستشعر الجوع وتنتظره الموائد العامرة، ومن يجوع ليفطر على كسرة خبز تقيم أوده..!!

المفارقة العجيبة، أن حالة التضييق على الناس، وارتفاع الأسعار، واختفاء السلع والمواد، هو ما يسبق شهر الخير دائما، حتى أصبح هناك من يقلقه مجيء الشهر المبارك..!

فكيف لصاحب البطن الجائع، والعقل المنشغل بالهموم، أن تصفو روحه للعبادة، أو يستشعر الروحانية التي يخلقها الصيام، وهو جائع طوال العام، ثم تتكالب عليه الحياة في شهر الرحمة؟!

لقد افتقدنا روحانية العبادات، ومنها الصيام والانفاق. هذه الروحانية التي هي المقصد من العبادات الشكلية..

الشعور بالآخر، وتلمس حاجة الناس، والرحمة بهم، هذه هي غاية الصيام ومجمع الخير فعلا..

الشعور الجمعي، هو مقصد العبادات، ولبها. وللأسف هذا ما نفتقده، بل تخلينا عنه، حتى أصبح الناس مستويات ومنازل وطبقات، كل طبقة تأكل من هي أدنى منها..!!

زر الذهاب إلى الأعلى