النساء وحكومة المناصفة !
ا. د وهيبة غالب فارع
منذ تشكيل حكومة المناصفة والنساء يتعرضن للتوبيخ والتقريع لأنهن تجرأن وطالبن بحق المشاركة السياسية، وقد ُجندت لذلك كل المنابر المشاركة في المحاصصة التي استبعدت المرأة من قوائم الترشيحات !
ورغم ان المشاركة السياسية تعتبر حقا اصيلا من حقوق المرأة اليمنية المكفولة لها في الدستور والقانون اليمني، ورغم تواجد المرأة في مختلف الاحزاب اليمنية، لكن للأسف جاءت المطالبة بالمشاركة السياسية في ظل عدم ملائمة الزمان والمكان، مما شجع قوي المناصفة بتكريس الجهود لإجهاض هذه المطالبة المشروعة بكل الطرق المتوفرة لديهم ..
وقد كان هذا متوقعا لسببين: الأول أن “الحكومة” مهاجرة في دولة اجنبية وهي في حكم الضيف عند المضيف تتصرف كما يريد المضيف حتى لا تحرجه. والثاني أن قرار تشكيل هذه الحكومة ليس بيد الجانب اليمني وإنما يتم تشكيلها واعفائها بأوامر التحالف، ولا تملك ما تسمى بالشرعية حق إختيار أعضائها ولا حتى بإسقاطها فعليا على خريطة الواقع اليمني وتوزيعها بين الذكور والاناث !
ولإن الشرعية التي تمثل اليمن دوليا في غير ارضها فقد أصبحت أمام تشكيلات مقيدة بالنوع والحزب والمنطقة والمصلحة، ولذلك فان حكوماتها التي يتم تشكيلها، يتم انتقائها بصيغة ذكورية لذر الرماد على العيون توهم العالم باننا امام دولة وشرعية حقيقية، ويختار لها اسماء براقة مثل حكومة كفاءات وهي لا تحظى من الكفاءة ولا بالتخصص بشيء، وحكومة وطنية وهي لا تعرف اليمن بحكم اقامتها خارج الوطن ولا ترغب بالعودة اليه، وحكومة توافقية وهي لا تجمعها اية توافقات،!!
ومع ذلك فقد قال الجميع لعل وعسى ان تشمل العدالة في التوزيع وبان تجد المرأة مكانا لها فيها لخدمة وطنها ويكون وجودها ضمانا لنيل المرأة حقوقها وايقاف العنف الممارس ضد النساء في هذه الحرب التي تعصف بالبلاد ، وجودا يحقق بعض الحماية لهن من التنمر الذي طالهن هذه الاوضاع التي انحدرت فيها اوضاع اليمن اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا انحدارا عنيفا واختفت القيم والاعراف التي تحميها وتدافع عنها.
ولكن على الرغم من كل ما رافق المطالبة النسوية من زخم إعلامي وحقوقي وضغط من المنظمات والمؤسسات النسوية المحلية والدولية للتذكير بالحقوق المكفولة للمرأة اليمنية في القانون والدستور، ورغم المساندة والدعم ، لم تتجاوب اي جهة تشريعية داخل اروقة الشرعية المهاجرة لدعم هذه الدعوة او ايلائها اي اهتمام ، وربما تناولها بعض اطرافها بطرق دبلوماسية حذرة وعموميات إلى ما ينبغي ان يكون، مع الاشارة الى اهمية دعوة المرأة للمشاركة السياسية ولكن في بلاد “واق الواق” وليس في اليمن اما البعض الاخر فقد تعامل معها كموضوع للتندر! او ربما تطرق لموضوع إشراك المرأة في صنع القرار من منطلق الحياد فقط باعتباره لا يمثل اية وجهة نظر حزبية، مع التشديد على القول بانها وجهة نظر شخصية لا تمثل “الشرعية” باية حال، ولا تمثل اية جماعة سياسية خوفا من انتقامات اطراف الشرعية او من الأوصياء الذين يتحكمون بقرار الشرعية !
ومع ذلك، فلربما لو كانت هذه المشاركة قد عرضت على النساء بطريقة فعلية احتراما للذوق اليمني العام واحتراما للحقوق السياسية المكتسبة للمرأة اليمنية على مدى العقود الاخيرة،، أو لو ترك للمرأة حق الاختيار في مثل هذه الظروف لاختارت التأني الى ان يحين الوقت والمكان المناسبين للمشاركة، تفهما منها لطبيعة الوضع السياسي القائم، ولترددت بقبول إدراجها ضمن نموذج الفشل والفساد القائم بمباركة ( دولية) مهيمنة على القرار الوطني.! ولربما قبلت المرأة ان يعهد اليها اي عمل تطوعي لحماية النساء دون تعيين دون مقابل يقيد ضميرها ويقلل من دورها الوطني !
ونظرا لهذه المواقف المتباينة وصعوبة الاوضاع داخليا وخارجيا ، فقد تفهمت الغالبية من النساء سبب تجنب البعض الخوض في هذا الموضوع ودعمها مؤقتا ، ولتقبلت المرأة مشاعر الرفض التي أثارت كثيرا ممن عز عليهم مشاركة المرأة تلك الأجواء التي سادت المناصفة الحكومية الذي تم في ظل غياب رؤية وطنية موضوعية جامعة لا في الزمان ولا في المكان، والتي لم تمثل سوى ارادة القوى الخارجية ولم تمتثل الا لقانون المحاصصة.
اخبار التغيير برس
لكن المرأة بهذا الحراك التصعيدي وفي هذا الاجواء المناهضة لها ، قد سجلت موقفا يحسب لها ، وأدركت أنها مطالبة اكثر من اي وقت مضى بتوضيح موقفها من هذا التشرذم وضرورة اعلان رغبة مشاركتها السياسية، للخروج من هذا الوضع لاستعادة القرار الوطني السيادي الذي يمنع أي قوة من اقصائها من المطالبة بحقوقها السياسية في الداخل او في الخارج، والجهر بهذا الموقف علنا في اي مكان حتى ولو كان تحت الوصاية، حتى لا يصبح هذا الإقصاء سنة متبعة فيما بعد، أ و يستخدم وفقا لمصالح اقليمية لا يهمها اي دور للمرأة اليمنية ولا هي معنية به ، إن لم تكن ترفضه حتى لا تصل عدوى المشاركة النسائية الى مجتمعاتها المغلقة، ولا تؤثر عليها مباديء الديمقراطية التي تحاول القضاء عليها في اليمن.
فقد شهدت اليمن على حداثة نموها مشاركة نسائية قوية المعالم سبقت فيها الدول المجاورة في مجال المشاركة السياسية منذ انطلاق ثورتي سبتمبر واكتوبر وتنامت في السبعينات واتاحت للمرأة مختلف الوظائف القيادية وازدهرت فيها الحركة النسائية قبل اشعال هذه الحرب التي شنت على اليمن ،واستطاعت ان تحدث تغييرا كبيرا في مجتمعها سياسيا وثقافيا .
ولهذا لم يكن غريبا ان تطالب المرأة بدور لها في مواقع صنع القرار السياسي حتى وان كان ضعيفا لعلها تصلح ما افسده السياسيون الرجال في اليمن ، فالنساء اليمنيات تفردن بانهن قد حكمن اليمن ومنهن بلقيس قبل الاسلام واروى في التاريخ العربي والإسلامي. ولهذا فمن الطبيعي ان يشعرن بالغبن وأن ترتفع اصواتهن حتى لا تستكثر عليها هذه المطالبة بالمشاركة السياسية الكاملة وليس فقط بتمثيل الوطن في اي هيئة تحمل اسم اليمن ، بل في كل مكان يتطلب مهاراتها العلمية والمعرفية وقدراتها الانسانية لعلها تفلح فيما فشل فيه الاخرون، او تكون عاملا مساعدا لهم على النجاح في دفع الاذى عن الانسان اليمني والاهم ان تكون الى جانب وطنها في هذا الوقت بالذات كنصيرة لأخواتها من النساء وداعية للسلام .
وقد تكون الأوضاع السياسية التي ادت الى هذا التجاهل مسببة، لو انها لم تتبع بكل هذا التقليل من شأن هذه المطالبات الحقوقية النسائية ، لكن وجه الاستغراب هنا هو هذا الموقف الصادم من الذين يدعون الحفاظ على المكاسب الوطنية، ولكن عندما يتعلق الامر بالمشاركة السياسية تتحول الوظيفة العامة الى بضاعة مسجلة ومحفوظة باسمائهم فقط ولا يسمح بتشاركها بين ابناء وبنات الشعب اليمني قاطبة بطريقة عادلة.
فماذا لو تقدمت المرأة مثلا بالترشح لوظيفة رئيس الجمهورية ؟ وهي وظيفة في نظر الكثيرين شاغرة منذ ٢٠١٤ والتقدم للترشح لها متاح لجميع اليمنيين بنص الدستور والقانون عن طريق االانتخاب، ويستطيع اي يمني او يمنية التقدم لها دون تعيين او وصاية من الخارج، وهي وظيفة قد كفلها الدستور اليمني للجميع حسب شروط ومعايير وطنية، واليمنيون يساندون اي مرشح او مرشحة متقدم لها ممن تنطبق عليه المعايير الوطنية الواجبة لكل يمني ويمنية يمتلك القدرة والكفاءة ويحوز على الرضا والاقتناع الشعبي والقبول به كمرشح لهم ،، وهي صفة ملازمة لليمنيين وجزءا من الشخصية اليمنية ومن تاريخ الانسان اليمني وعقليته التحررية التي لا يمكن الحجر على قناعاتها تحت اي سلطة كانت، وهذا ما يقوله التاريخ !
واذا ، فالإقصاء والتمادي في الرفض والتوبيخ للنساء لمجرد طلب المشاركة الذي استخدم من اجل قمع مطالبة المرأة بالمشاركة السياسية، وهي واحدة من جملة المطالب الوطنية باستعادة القرار اليمني واعادته الى اليمن واعادة اليمن الى مساره وووضعه ومكانه الطبيعي بين الامم، سوف يصعد من مطالبة المرأة لتصبح مطالب شعبوية لا يختلف عليه اثنان.
ومادامت الدعوة للمشاركة في الشأن العام والمطالبة بالحقوق هدفها انتزاع الارادة اليمنية من يد من انفرد بها متمنعا من اعطائها لليمنيين، وممن تدخل في شؤونهم وافسد حياتهم السياسية والاجتماعية، ومنع التقارب والمصالحة الوطنية بينهم، ووضع اليمن تحت وصايته الدائمة،، فان لسان حال المرأة هو لسان حال كل ابناء اليمن الذين يشعرون بان سكوتهم على الاخطاء في التعيينات والتعديلات والتغييرات والتشريعات وخصوصا عندما يتعلق الموضوع بالمشاركة السياسية ليس ضعفا وإنما تقديرا للوضع العام ولمكانة المرأة في صدارة المجتمع وتري ان ذلك لن يطول كثيرا، خصوصا عندما تصبح المطالبة بالحقوق ومؤازرتها فرض عين بينهم، فانها قد لا تخضع كثيرا للعبة الكراسي الممارسة حاليا التي ستتغير بتغير الوضع وعودة اليمن والجغرافية والسيادة اليمنية على كامل ارضها وترابها