البردوني
عمر الحار
ربما لا تحتاج لنوع من الابحار العميق في اللغة لاصطياد جواهر مفرداتها ومعانيها للاقتراب من عولمه الشعرية الواسعة والساحرة،و للكتابة عن الشاعر البصير وعبقري البصيرة والفكرة عبدالله البردوني متعة لاتقل عن متعة قراءة قصائده وقصائد امثاله من فحول الشعر وفرسانه ،ولا تحتاج لجهد الابحار المضن للخوض في غمار قصائده المفتوحة الشطآن والاعماق وهي من تبادرك بفتح مكونها الشعري عند اول محاولة للاقتراب،لتبوح باسرارها وبقلب مفتوح نابض بالحب للارض والانسان وتتراقص على اهدابها ثنائية الاوجاع والاحزان في وطني اليمن .
ولقصائد البردوني العظيم طعما اخر من الحرائق الفكرية المستعرة بابعادها النارية في كيان وجسم القصيدة الملتهب اصلا بعنفوانها الثوري العذب المضئ لظلمات الحياة والتاريخ معا لتوصل وفي غمضة عين الى حالة من الاتزان الشعري المطلوب بين الفكر والعاطفة وهي معادلة لم تتحق في عوالم الشعر الا في نتاج قلة من عباقرته الخالدون التي نقراء اشعار الفحول منهم في الجاهلية كما نقراءها اليوم في العصر الحديث ولكل منهم نصيب من المجد الشعري الذي كتب له الخلود في الذاكرة الحية للاجيال.
وقله هم الشعراء اللذين لا نحتاج لمسبار نقدي للغوص في بحور اشعارهم الزاخرة بالافكار والمعاني ،وعادة ماتكون عناوين قصائدهم المفاتيح السحرية لها ،وتشعرك بالاطمئنان الى الوصول الى تعبيراتها وصورها الابداعية الجميلة دونما مشقة تذكر ،وعبقري اليمن وشاعرها يأتي في طليعتهم واحتجز لبلده الصوت الاكبر في حضور المشهد الشعري للعرب في تاريخهم المعاصر ،
حمل البردوني اليمن في حله وترحاله و طاف به كل الافاق ،وكان سفيره الاول ولسانه الحي في حياة الشعوب العريية المغلوبة على امرها وجدد فيهم ذكر وتاريخ اليمن مع الخالدين من عباقرة الكلمة الشعرية الزبيري والمقالح وغيرهم من المبدعين بعد ان اوشك نجمه على الافول ،رسم بكلماته الشعرية الساحرة اوجاع الوطن وشخص علله وامراضه وجعله انشودة للحزن نغنيه ونحن اليه كلما اشتد بنا اليأس واطبق علينا القنوط من الفلاح في علاج اوجاعنا ، ونرتمي على حضن قصائده الحبيبات كما نرتمي بعفوية على احضان امهاتنا للنسى التعب وضياع الوطن ،نقبل الحق في كلماته ،ونخشى كشفها المخزي لواقعنا ،نفرح بتعريتها قبحنا ونخاف من رؤية صور انكسارنا في الحياة ،وسبحان من سخر في عبقرية الشاعر البصير وكلماته هذا الكم من الطاقة المعنوية الهائلة التي تصنعك كائنا ثوريا للحظات وتدفعك بلا رحمة الى الدرك الاسفل من الاحباط وانت في ثنايا سطور القصيدة وتبقى اسيرا لها .
والبردوني كظاهرة من الظواهر الشعرية الفريدة التي تستجيب لقراءة العقل والوجدان معا ،وتزواج بينهما في الحضور كلما عزمت على استقبال جرعات من اشعاره .
وللبردوني تجربة شعرية غزيرة تمثل حياة اليمن في كل المراحل والانظمه ،ورسمت خارطة لاحزانه وضياعه اليوم في صنعاء وعدن والرياض والقت بظلال من تنبؤاتها الصادقة على الخليج وان كانت دوله مثالية انذاك .
وهل تدري ياصنعاء
عن المستعمر السري
غزاة اليوم كالطاعون
يخفى وهو يستشري
—————–
خطى اكتوبر انقلبت
حزيرانية الكفن
ترقى العار من بيع
الى بيع بلا ثمن
متى تاتين ياصنعاء
من تأبوتك العفن
لقد عادت من الاتي
ومن تاريخها الوثني
————-
امير النفط نحن يداك
نحن احد انيابك
ومسؤولون في صنعاء
وفراشون في بابك
ونحن القادة العطشى
الى فضلات اكوبك
——–*———–
انا لست مذياع الخليج
ارقع البالي بابلى