هزة قلم! فلاشات أعراس تونس الديمقراطية!
ما أعظمك يا تونس وما أجملك، وما أحسنه وأرقاه شعبك!
تونس الربيع العربي أضحت خضراء حقيقة كما تغنى بها من قبل الشعراء والفنانون بفضل الله تعالى أولا، ثم بفضل البوعزيزي مفجر الثورة رحمه الله، ثم بشعبها العظيم الذي قاد أول ثورات الربيع العربي، وهاهو اليوم يقود أول حركة تغيير مدني سياسي في الوطن العربي وبشكل سلمي وحضاري ديمقراطي أبهر العالم أجمع، وألجم الديكتاتوريات العربية، بل أشعل تحتها مواقد الكير ومصاهر قبضات الإستبداد الحديدية.
في عرس ديمقراطي كرنفالي مثالي عاشت تونس أجواء إنتخابات رئاسية تنافس فيها مرشحون كثر يمثلون كافة أطياف الشعب التونسي الفكرية: الشيوعية والاشتراكية، اليمينية واليسارية، الدينية والعلمانية والقومية، الحزبية والمستقلة.
ما يميز هذا العرس الديمقراطي الرئاسي هو أنه الثالث منذ فجر ربيع ثورتها، ثورة الياسمين، ولم تسجل خلالها حالة عنف واحدة، ولم تتمكن الأموال من شراء الأصوات وتوجيه إرادة الناخبين مما يدل على قوة الوعي الوطني و الإرادة الحرة للشعب التونسي الشقيق.
كبير أنت يا شعب تونس! كبير حين قدحت شرارة البدء لحركات التحرر العربي، وحين أنجزت ثورتك الوردية في أسبوعين فقط، وحين اخترت المسار الديمقراطي منهجا، وحين مارست ديمقراطيتك وصدرتها إلى العالم أنموذجا فذا يحتذى به!
كبير أنت يا شعب تونس بأحزابك العلمانية والإسلامية، وكبير فيك وعظيم كعظمتك أيها الشعب التونسي حزب النهضة الإسلامي وقيادته الرشيدة التي ناضلت لأجلك ولأجل تحقيق هذا العرس الديمقراطي ولو على حساب إسمها في عالم الإسلاميين العرب قاصري النظر الذين اتهموه بالعلمانية، واتهموا شيوخك و قادتك بالعلمنة وتمييع الدين، فتحملوا كل ذلك لأجلك. فهنيئا لك أيها الشعب كل هذا النجاح، وهنيئا لك بأحزابك، وبحزب النهضة الإسلامي الراقي في نظرته، المدرك بحسه وعقليته للأخطار المحدقة بشعبه ووطنه.
فلاشات العرس الديمقراطي!
– وعي وفكر وانفتاح يصنع النجاح. وهذا كله متوفر في ربيع تونس.
– ثورة الياسمين نجحت رغم أنف كل البعران العربية، ورغم أنف ماما فرنسا والغرب الحاقد.
– نجاح العرس الديمقراطي يعني نجاح كل الأحزاب والأطياف السياسية التونسية، لأنها جسدت السلوك الحضاري، وجذرت ورسخت مبدأ التداول السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع النزيهة.
– الشعوب لا تقهر إذا توافرت لديها الإرادة الحرة و الحس الوطني والشعور الأصيل بالإنتماء للبلد.
– أرسلت أعراس تونس رسائل قوية للجميع في الداخل والخارج، شعوبا وحكومات، ومن أبرز هذه الرسائل:
* أن الوطنية تغلب المال، والشعور بالإنتماء للوطن يفضح الأشرار، وأن الوطن أكبر وأجمل وأحلى وأغلى من كل المغريات المادية والسلطوية.
* المال والمؤامرات والدسائس الخارجية لا يمكنها أن تعبث بالبلد إذا توفرت لدى الشعب القوة والوطنية والإرادة الصلبة، وعشق الحرية والتوق إليها.
* أن الوطنية ليست ثوبا مفصلا على الأحزاب فقط، بل هي ثوب للمستقلين أيضا، وإن كلمة الفصل بيد الشعب، هو من يفصل الثوب لمن يريد وكيف يريد.
* نتائج العرس الديمقراطي كانت عظيمة وشكلت لوحة وطنية سياسية فنية لا تضاهى. فلقد أفرز الإقتراع فوز المستقلين على مرشحي الأحزاب ذوي الوزن الثقيل، فالرئيس القادم مرشح مستقل وليس ذا خلفية حزبية.
* قال الشعب “لا” لكل الأحزاب.. وقال “نعم” للمستقلين الوطنيين.
* خسارة مرشح النهضة الشيخ عبد الفتاح مورو، رغم شعبيته الكبيرة وحزبه بين الناس، لا تعني رفضه هو شخصيا، وإنما تعني الرفض القاطع لحكم الإسلاميين، رغم انفتاح حزب النهضة وقربه من الجماهير التونسية، وحب الشعب التونسي له.
* خسارة النهضة للإنتخابات تعني رفض الشعوب العربية لكل الأحزاب الإسلامية، لأنها ترى فيها عدم الصلاحية والأهلية لحكم الأوطان، وهذا بالتالي يعطي انطباعا كاملا عن توجهات الشعوب وخياراتها المستقبلية، مما يعني أنها أدارت ظهرها للإسلاميين بكل ألوانهم، وعدم الثقة بهم. وهذا يقودنا إلى نتيجة هامة جدا وهي أن على الإسلاميين أن يتطوروا سياسيا وفكريا ليواكبوا متطلبات الديمقراطية وتطلعات الشعوب.
ويمكننا أن نقول العكس كذلك وهو أن الشعوب العربية ليست مؤهلة لتقبل حزب إسلامي في السلطة، أو أنها غير موطئة بعد للحكم الإسلامي.
* قول الشعب التونسي نعم لكل من قيس سعيد ونبيل القروي معناه: نعم لكل من يخدم الشعب بتفان ووطنية وإخلاص ومن غير مقابل أو إبتزاز!
تونس! قالوا عن ثورتك أنها ثورة الياسمين. وإني لأراها تسمية عبقرية تعكس الواقع الثوري التونسي، فلقد رأينا اليوم أن زهور الياسمين قد تفتحت وغطت ألوانها البيضاء والصفراء كل تراب تونس، وفاح أريجها في كل أرجاءه، إلى درجة أننا نحن العرب قد شممنا عبير الحرية الزاكي هذا في كل قطر عربي.
مبروك مقدما لتونس الخضراء رئيسها الجديد المنتخب، وحظا أوفر للشعوب العربية!
ا. محمد الدبعي