حائط

هزة قلم! العقل زينة (نحو وعي أفضل)!

 

عندما ترى أن الأمور ليست على مايرام ولا تسير لصالحك، وأن كل محاولاتك السابقة قد إصطدمت بجبال الواقع المرير الرافض للتجديد، وباءت بالفشل، هنا يجب عليك التوقف، ومراجعة حساباتك وأفكارك وخططك واستراتيجيتك لكي تبدأ من جديد لعلك تنجح في المرة القادمة.
إنفصل عن حزبه الأصلي الذي تربى وترعرع فيه لما رأى التناحة في رؤية القيادة للأمور، والجمود الفكري، والعزلة النفسية التي أحاطت نفسها بها، والذي لا يخدم المصلحة العامة لا للحزب ولا للوطن، انفصل عنه وشكل حزبا ليبراليا متعدد الرؤى: إسلاميا وعلمانيا، لأن واقع الحال يفرض ذلك، وعملية النهوض بالمجتمع والدولة يقتضي التغيير ومواكبة المتغيرات المحلية والدولية. إنه رجب طيب أردوغان.

لقد كان الوضع في تركيا أقسى وأصعب واقل تفاؤلا منه في مصر نظرا لقبضة العسكر الحديدية، وضياع غالبية الشعب التركي، والتعددية الفكرية، والعرقية، والإثنية، واللغوية فيها. ولعلمانية الدولة وحراس الأتاتوركية، وموقعها الجغرافي الأوروآسيوي، وتاريخها السياسي الإمبراطوري الإسلامي، مما جعل الغرب واليهود يحكمون قبضتهم عليها بالكلية.

مثل محمد مرسي عندي كمثل نجم الدين أربكان، وجماعة إخوان مصر كحزب الفضيلة أو السعادة التركي، كلاهما متحجر الفكر، وناقص البصيرة.
أخطأ الإخوان في مصر بترشحهم لمنافسة المرشح الأوفر حظا للفوز آنذاك، ذي الأصول الإخوانية عبدالمنعم ابو الفتوح المنشق عنهم، والذي حاول أن يكرر التجربة الأردوغانية، لكنه جوبه بغباء الجماعة التي كانت قياداتها كلها عواجيز أكل على فكرها الدهر وشرب، حسدا من عند أنفسهم على أبي الفتوح، فنصبوا محمد مرسي منافسا له لتشتيت أصوات الناخبين لمصلحة مرشح العسكر أحمد شفيق.
فلما حالفهم الحظ في الجولة الأولى، دخلوا الجولة الثانية أمام شفيق، ثم فازوا في الإنتخابات، ظنوها شطارة وحنكة منهم ودهاء، ونسيوا أنه لم يكن للناس خيار آخر، فاختارت مرسي على شفيق مجبرين، خصوصا أن أغلب الأصوات جاءتهم من الأحزاب الأخرى التي سقطت في الجولة الأولى وبالذات أصوات حزب مصر القوية الذي يرأسه أبو الفتوح بفارق بسيط، والتي تقارب 2 مليون صوت. بمعنى أنهم لم يكونوا محبوبين ولا مرغوبين عند الناخب المصري. غرهم الفوز فصادموا الجميع، واغتروا بدعم ماما أمريكا لهم (والذي لم يكن سوى مصيدة ليوقعوهم في الفخ ويمزقوا صف الإسلاميين) فلم يسمعوا لداعي العقل، ولم ينصتوا للناصحين، فصار ماصار!
ثم هل يعقل أن يترشح لمنصب الجمهورية إلا رأس الهرم في الحزب حتى يكون صوته أعلى من أصوات جميع أعضاء حزبه؟؟؟
وهل من العقل والمنطق أن يقول للمتفاوضين معه للخروج من الأزمة السياسية التي عصفت بالبلاد بعد فوزه بالرئاسة سأستشير جماعتي وأعود، وهو رئيس الجمهورية المنتخب ولم يعد عضوا في جماعة دينية؟؟؟
لكنه فعلها، وفعلوها.. وليتهم لم يفعلوا!

لو!
لو! كان أردوغان مكان مرسي لحدث نفس التحول السياسي الهاديء وبنفس الطريقة التي حصلت في تركيا مع فارق بسيط وهو أنه في مصر سيكون أسرع وتيرة مما كان عليه في تركيا، ولصارت مصر أم الدنيا فعلا، وأردوغان زعيم الأمة العربية والإسلامية في فترة وجيزة.

ولو! كان مرسي مكان أردوغان لحصل نفس الإنقلاب الذي حصل له في مصر، ولفشل في تركيا فشلا أكبر منه في مصر، ولقبع في السجن كما قبع قبله نجم الدين أربكان زعيم حزب الفضيلة، وحزب السعادة.

لو! قارنا الأوضاع في البلدين لوجدنا أن الفارق كبير والبون شاسع بينهما، حيث وأن تركيا هي الأم والأب للعلمانية الشرقية، وقائدة التحلل من الموروث الإسلامي، لاسيما وأنها كانت عاصمة الخلافة الإسلامية، وزعيمها خليفة المسلمين وقائدهم الأول.

ولو! نظرنا للأمور بعين المراقب المحايد لوجدنا الفرق بين أردوغان ومرسي هو شئ واحد بسيط جدا، وهو العقلية: نمط التفكير، والقراءة الصحيحة للواقع، والرؤية الاستشرافية الحصيفة للمستقبل.
قالوا! الذي أنقذ أردوغان من الإنقلاب الأخير هو نزول شعب واع وبطل أحب زعيمه، وفداه بروحه.
قلنا! الذي أفشل الانقلاب هو الشعب التركي البطل: مواطنون شرفاء، وقادة جيش ومخابرات وجنود وشرطة وإعلام، حولهم أردوغان من أعداء إلى أنصار للجمهورية، ومن دهماء إلى قادة ووطنيين!

وقالوا! مبررين فشلهم: إن اردوغان قاد تركيا قبلها اثني عشرة عاما حتى وصل إلى هذا النجاح. وللوصول لهذه المرحلة لابد من المرور بمرحلة عدنان مندريس و نجم الدين أربكان وغيرهم.
وقلنا! هذا كلام ممتاز وحلو، وأنا أتفق معكم في هذا، وحكم مرسي في مصر لم يدم سوى ستة أشهر. لكن السؤال هنا يطرح نفسه وبشدة: لم لم يدم حكم مرسي إلا هذه الفترة القصيرة ولم يستمر إثني عشر عاما كما استمر أردوغان؟؟؟!
ولم لم يستفيدوا من تجارب من سبقهم، ويتعلموا الدرس من غير أن يقعوا ضحايا جددا كما وقع مندريس ونجم الدين أربكان؟
لم لم يبدأوا من حيث انتهى الآخرون؟؟!!!
العقل زينة!

أ. محمد الدبعي

زر الذهاب إلى الأعلى