هزة قلم: مرسي الرجل الطيب بين الواقع والمنطق!
أ. محمد الدبعي
وانتهى فصل من فصول التاريخ المصري الحديث.. انتهى بنهاية مأساوية لأول رئيس عربي منتخب ديمقراطيا وهو الرئيس محمد مرسي، الظالم والمظلوم.
مظلوم لأنه ظُلِم مرتين:
– مرة حين ألبسته جماعته جبة أكبر من حجمه وحجمهم، وهي جبة الرئاسة،
– ومرة حين خلع من منصبه بتهمة الخيانة الوطنية ورميه في السجن حتى نال الشهادة.
وظَلَم نفسه مرتين:
– مرة حين قبل الترشح للرئاسة ضد الإسلامي المنفتح المنشق عن الإخوان د. عبد المنعم أبو الفتوح،
– والثانية حين أصر على البقاء في كرسي الرئاسة بعد انفجار الأزمة السياسية الطاحنة في مصر، ورفض نصح الناصحين بالإعلان عن انتخابات رئاسية جديدة خلال ستة أشهر، بحجة مقولة عثمان (رضي الله عنه): “لا أخلع ثوبا ألبسنيه الله!”.
في الحقيقة أن الرئيس محمد مرسي رحمه الله رجل صافي النوايا، ذو إرادة حديدية، مخلص لوطنه ولأمته، تطلعاته لخدمة بلده وأمته كبيرة لا تحدها حدود، ولكن هل يكفي ذلك لقيادة دولة عظيمة كمصر؟؟؟ بالتأكيد لا! فالنوايا الحسنة والإرادة الفولاذية لا تكفي، والرجل محدود القدرات السياسية كجماعته المنكفئة على نفسها، المنتشية بفكرها العظيم في حقيقته، لكنها فقيرة في فكرها السياسي.
شخصية الرئيس مرسي ومظلوميته يجب أن تدرس في كليات علم الاجتماع والعلوم السياسية كنموذج للقيادة السياسية الجدلية بحظها الغريب الذي أوصلها لأعلى هرم السلطة في الدولة ثم نزعت منه في فترة وجيزة، وللحزب السياسي الفاشل عديم التجربة والخبرة، وقليل الحيلة والدهاء والحنكة السياسية، والمرونة المطلوبة في اللعبة السياسية.
يمضي الناس يتحدثون عن البطل مرسي، الذي لم يلهم أحدا، ولم يترك أثرا، غير أنه أضحى ضحية لحزبه الذي من أهم شعاراته: “الرجل ضعيف بنفسه قوي بإخوانه!”، قولة حق يراد بها باطلا على الدوام لتبرير طريقتهم الشنيعة في تنصيب الأشخاص للمناصب العليا، لا بحسب الكفاءات السياسية والفطنة، وإنما بحسب الأهواء والمحسوبيات، وضحية لخطبه الرنانة كذلك، عديمة الجدوى، سوى أنها ألبت عليه الأعداء والمتربصين، وأمسى حديث الناس في الدواوين بين مشفق ومحب ومنتقد ومتشف.
لقد تركت رئاسيته درسا بليغا للأمة كلها، حري بالأحزاب الإسلامية في الدرجة الأولى، وبالأجيال القادمة ان تستنطقها لتستفيد منها.
رئيس وحزب ركبوا البحر الهائج على سفينة خشبية محطمة وممزقة الشراع وأرادوا أن يبحروا بها وسط العواصف والأمواج الهوجاء العاتية.
لم يستوعبوا الزمان والمكان، ولم يستفيدوا من التجربة الفاشلة لحزب أربكان التركي (حزب السعادة)، ولم يستأنسوا بالتجربة الناجحة لحزب أردوغان (العدالة والتنمية)، واتخذوا من حسن النوايا شراعا، ومن العناد الإخواني المصري بصفة خاصة مجدافا، ولم يكلفوا أنفسهم حتى دراسة الخريطة السياسية في مصر، والجوار العربي والإقليمي والدولي.
لم تؤثر فيهم أصوات العقلاء، ولم يصغوا لنصح الناصحين والمحبين أمثال أردوغان، والغنوشي، والقرضاوي وغيرهم.
لقد خاضوا التجربة القاتلة بطريقتهم الخاطئة جدا، وأهم خطأ فيها هو نسيانهم أن الشعب المصري مائة مليون، وأن الذين انتخبوه لم يتجاوزوا أربعة ملايين، ونسيان الدولة العميقة، وأنهم لو قرأوا النتائج والأحداث التالية لها بعقلانية ومنطق لما وصلوا إلى هذا الحال المزري والمؤسف، وإلى هذه النتائج الكارثية في حق أنفسهم وحزبهم وأتباعهم وشبابهم، وشباب مصر ومواطنيها بشكل عام: باختصار شديد إنه الغباء العاهر والإنتحار السياسي!
أما والحال الآن كما نراه ونشاهد، الجماعة مشتتة، والبلد ممزق ومحكوم من قبل العسكر، يسيرون به إلى المجهول، أفلا يجدر بهم البحث عن صيغ جديدة للتفاهم من أجل البلاد والعباد؟؟؟ أم أنهم قد استمرأوا حياة السجون والبهدلة بحجة أنها لله! فليتقوا الله في أنفسهم، وأهاليهم، وأتباعهم، وشعبهم ووطنهم، وليقولوا قولا سديدا!
الإمام البنا رحمه الله يقول: “ولا تصادموا نواميس الكون فإنها غلابة، ولكن غالبوها واستخدموها وحولوا تيارها، وترقبوا ساعة النصر، وما ذلك منكم ببعيد!”. فقال رحمه الله لا تصادموا، وإنما غالبوا، أي سايسوها، واربأوا بأنفسكم أن تلقوا بها إلى التهلكة.
السيسي صار حقيقة راسخة في مصر شئنا أم ابينا، والعمل السياسي مناطه الجماهير، والتحرك من خلاله ومن خلال الأحزاب الأخرى بأفكار جديدة، وأساليب متجددة، دون الجمود والشطط. أفأنتم تعقلون؟؟؟!
وللحديث بقية!