نساء مهمشات في مجاري السيول
عبدالغني عقلان
لا تستطيع فاطمة أحمد ثابت -نازحة في ريف مدينة تعز، بمنطقة تتبع مديرية مقبنة- وصفَ مأساة الأيام الراهنة، حيث تخيم عليها ليالٍ ممطرة مظلمة مصحوبة بحالة من الخوف والرعب الشديد.
تقول لـ”خيوط”: “أغلب الأيام خلال الفترة الماضية يهطل علينا المطر ليلًا، فتكون الليلة مظلمة، لا ضوء نسترشد به ولا نار تدفئنا لنستطيع النوم في المخيمات بين الطين، حيث البطانيات والأفرشة والملابس مبللة، وهو ما يزيد من شدة البرد والصقيع”، مضيفةً: “لا نجد ماذا نأكل أو نطبخ حتى الطحين يبتل من المطر، فيصبح غير صالح للاستخدام”.
بحسب منظمات حقوقية، فإن الحالة الجوية الماطرة التي شهدتها أجزاء من محافظات: تعز، الحديدة، حجة، منذ 2 أغسطس/ آب الجاري 2024، تسببت في وفاة 45 مدنيًّا وإصابة العشرات، إذ تحصي نحو 15 حالة وفاة في مناطق مديرية مقبنة (غربي محافظة تعز).
تبعات قاسية للمنخفض الجوي
في حين تقول حميدة سالم، في العقد الخامس من عمرها، لـ”خيوط”: “نعيش حالة صعبة بسبب الأمطار، لا نجد من يساعدنا، فالجميع يتفرجون علينا وكأننا غير يمنيات”.
فاقمت الأمطار والسيول معاناة النساء السمر (المهمشات) بشكل كبير، حيث تطالهن تبعات المناخ القاسي الذي يضرب اليمن خلال الفترة الماضية، إذ تتركز المعاناة بشكل كبير على النساء اللاتي يسكنّ في مخيمات النازحين التي كانت عرضة خلال الأيام الماضية للسيول والفيضانات الناتجة عن الأمطار الغزيرة التي شهدتها أكثر من محافظة يمنية، حيث غمرتها مياه الأمطار، ومنها ما جرفته السيول والفيضانات، وهو ما أدّى إلى تشرّد العديد من الأُسَر.
مخيمات النازحين أنشئت بطريقة عشوائية؛ بسبب الحرب وانعدام أماكن لإيواء السكان وغياب دور السلطات المحلية، ومضايقة المجتمع المضيف من يدّعون مليكتهم للأرض؛ لذا فقد تم نصب المخيمات في ممرات السيول، وفي الأماكن المنخفضة التي تصل إليها السيول مباشرة أثناء نزول الأمطار، إذ يعد ذلك مخالفةً للمعايير الهندسية الخاصة بنصب المخيمات.
لم تتوقف المعاناة عند هذا الحد، بل وصلت إلى مستويات تفوق إمكانية تحملها ابتداء من عدم الحصول على الماء والأمن والتغذية الصحية، وانتهاء بانتشار البعوض والذباب في مساكنهم بشكل كبير ومخيف.
وبسبب الانخفاض الجوي لهذا العام، ستكون معاناة النساء في المخيمات مضاعفة عن الأعوام الماضية، في ظل غياب أيّ دور للسلطات المحلية في المديريات التي توجد فيها مخيمات النازحين بشكل كثيف؛ الأمر الذي يجعل هذا المنخفض والمناخ العاصف بمثابة كابوس للنساء النازحات وسط مخيمات متهالكة غير صالحة للعيش فيها، حيث تقدّر تقارير رسمية عدد النساء النازحات في اليمن بأكثر من 200 ألف نسمة، منهم 20% بحاجة إلى دعم نفسي، فضلًا عن أنّ هناك حوالي 500 ألف أسرة تعيش في العراء.
ويوضح الأمين العام للاتحاد الوطني لتنمية الفئات الأشدّ فقرًا (المهمّشين)، عبدالرحمن علي سعيد، لـ”خيوط”، أن المهمشين، خصوصًا النساء، هم الأكثر تضررًا في كل مناطق السيول والفيضانات؛ كونهم يسكنون في أكواخ من الصفيح والعشش ومنازل مبنية من الأحجار الصغيرة غير المتماسكة.
النساء أكثر عرضة للأمراض
تعدّ النساء اليمنيات ذوات البشرة السمراء، الأكثرَ تضررًا جراء تغيرات المناخ؛ بسبب العيش في سكن غير آمن (مخيمات)، وفي مواقع جريان السيول، في ظل انعدام تام للأمن الغذائي، وتدني مستوى الوعي البيئي .
الناشطة الحقوقية، ريمان حميد، مديرة منظمة “حياتنا للتعايش”، تؤكد لـ”خيوط”، عدم وجود أيّ اهتمام بالنساء اللواتي يسكنّ في المخيمات، في الجانب الصحي، وعدم وجود شبكة صرف صحي في بعض المخيمات، وأيضًا المياه غير معقمة بشكل صحيح، هذا كله يؤدّي إلى انتشار بعض الأمراض، مثل: الكبد، والبلهارسيا، والملاريا، والطفح الجلدي، وسوء التغذية لدى الحوامل.
تضيف: “لا بد من حماية النساء في المخيمات من التغيرات المناخية، وبناء حواجز مائية لتحييد المياه عن المخيمات، وتأمين السكن من خلال بناء مساكن آمنة تضمن لهم العيش الكريم، بعيدًا عن المخاطر الناتجة عن التغيرات المناخية، مثل الأمراض وتلوث المياه وجرف المخيمات”.
يشير تقرير حكومي صادر عن الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين في اليمن، إلى أنّ 5,583 أسرة نازحة تضرّرت من جراء الأمطار الغزيرة والفيضانات الجارفة التي ضربت محافظتَي حجة والحديدة، في الفترة من 6 إلى 8 أغسطس/ آب 2024.
في السياق، تقول الناشطة المجتمعية في إحدى مناطق تعز، فاطمة علي، وهي نازحة من محافظة الحديدة، التي تعرضت مؤخرًا للأمطار والسيول المدمرة، لـ”خيوط”: “عندما تأتي الأمطار والسيول، نصاب بحالة من الرعب والخوف على أطفالنا وأغراضنا من غذاء وملبس وغيره، ومع أول نطفة من المطر نعلن حالة استنفار في المخيم، ونحاول قدر المستطاع الحفاظ على الأغراض والغذاء والملابس، لكن دون جدوى، حيث تتسبّب الأمطار والسيول بإتلاف كل شيء”.
تتابع: “تنتشر الأوبئة والنامس (البعوض)، والعقارب والثعابين في الليل بسبب السيول، ونبقى وسط الطين المختلط بالمياه عدة أيام”.
آثار قاسية للمناخ العاصف
بحسب مديرة منظمة “حياتنا للتعايش”، فإنّ مخيمات النازحين أنشئت بطريقة عشوائية بسبب الحرب وانعدام أماكن لإيواء النازحين وغياب دور السلطات المحلية، ومضايقة المجتمع المضيف من يدّعون مليكتهم للأرض؛ لذا فقد تم نصب المخيمات على ممرات السيول، وفي الأماكن المنخفضة التي تصل إليها السيول مباشرة أثناء نزول الأمطار.
يعدّ ذلك مخالفةً للمعايير الهندسية الخاصة بنصب المخيمات المعتمدة عالميًّا، إذ يرجع ذلك إلى غياب دور السلطة المحلية والوحدات التنفيذية للنازحين في المديريات، كما تقول حميد، مؤكدة أنّ التغيرات المناخية ستلحق الضرر بالنساء النازحات على وجه الخصوص؛ كونهن ضعيفات البنية الجسدية ويسكنّ في بيئة مشجّعة على تفشي الأمراض؛ بسبب السيول المحمَّلة بالغبار والأتربة، وتصبح بيئة ملوثة وغير آمنة.
من جانبه، يرى رئيس جمعية “حياة أفضل”، فوزي مهيوب، في حديثه لـ”خيوط”، أنّ هناك تبعات وأضرار مأساوية تخلفها السيول، أبرزها: تدمير وإتلاف مخيمات النازحين، ما يجعل النساء والأطفال في العراء، إضافة إلى تجميع المخلفات الآدمية والحيوانية بالقرب من المخيمات.
كما تغمر مياهُ السيول المخيمات، وفق مهيوب، وهو ما يؤدّي إلى إتلاف الممتلكات والأدوات المنزلية، وتضرر النساء النازحات ماديًّا ونفسيًّا واجتماعيًّا، وزيادة عدد الوفيات، خصوصًا الأمهات الحوامل والمرضعات بسبب انتشار الأوبئة والحميات وموجة الصقيع.
خيوط