خريجو الامتياز وصعوبة الحصول على وظائف
عبدالرحمن المهيدي
يعتمد كثير من الطلاب على الشهادة الجامعية لأجل الحصول على وظيفة، وهذا خطأ.. بل إن في بعض المجالات يسقط في سوق العمل الحاصل على درجات الامتياز، وكذلك الأول في الدفعة، وقد يتوظف شخص بدرجات مقبولة، يأتي السؤال لماذا لا يتوظف اصحاب الامتياز؟
هم انفسهم الذين يقضون 4 سنوات أو أكثر بين الكتب، والملازم، أليسوا جديرين بالوظيفة أكثر من أصحاب الدرجات القليلة، والذي قد لا تجدهم يعطون للمقررات الجامعية أي أهمية..! أليس لكل مجتهد نصيب؟. يؤسفني القول أن الاجتهاد في الجانب الصحيح، هو من يأخذ النصيب الوافر، يجب على الإنسان أن يعرف طريق الصواب لكي يبذل جهدا مستحقا، ليأخذ الثمرة في النهاية، بدون أن يشعر أنه تعرض للظلم..
أنا الآن لا أحرض ضد المذاكرة، وملازم الجامعة، هناك تخصصات تتطلب ذلك بالدرجة الأولى، كالطب وغيره. أنا أقصد أنه من الخطأ الاعتماد عليها بشكل كلي لأجل الحصول على وظيفة.
في الحالة العادية السائدة يقضي الطالب سنوات الجامعة يحفظ الملزمة من الغلاف إلى الغلاف، يصب كل اهتمامه محصورا بين الكتب فقط. وعند تخرجه من الجامعة يتخبط، ويشعر أنه أمام مسؤولية كبيرة، يتخرج ليجد نفسه أمام فراغ كبير، وكمية من الأرقام أو المعلومات التي لا يمكن توظيفها بشكل تطبيقي، حينها يبدأ مرحلة جديدة من الاطلاع والبحث، البحث العميق، والتجارب، يضيف سنة أخرى أو أكثر إن كان شخص واعيا بما فيه الكفاية بمَ يقوم به، وإلا فإن أغلبية الطلاب الآخرين ينتظرون الشهادة الجامعة، ولا يستفيدون منها شيء، بل ولا يبذلون جهدا في التفكير ما إن يكونوا خدعوا على سبيل المثال. وأنهم تخرجوا ولا يكاد واحد منهم يملك إلا بعض المعلومات التي لا يمكن القيام بأي تجربة عملية فيها..
يجد الإنسان نفسه بين احتمالين، من هو المسؤول الأول عن ما يحدث، هل المقررات الجامعة التي لم تستطع أن تجعل من الطالب مهنيا، أم المشكلة من عند الطالب نفسه؟!. إن الشخص الذي فهم مبكرا الخبرة والتجربة الوظيفية، سيعرف المطلوب بسهولة. لكن دعوني أشرح لكم ذلك.
إن الاعتماد الكلي على مقررات الجامعة، لا ينتج معرفة كاملة، إن الاطلاع هو من يعطي المعرفة الكاملة، لقد أحبط طلاب بلا حصر أو عدد بسبب اعتمادهم الكلي من خلال المعرفة المتوفرة لهم في الكتب، لقد وجدوا أن سوق العمل يختلف تماما عن المكتوب في الملازم.
“ربما هناك أشياء لم يخبرونا بها”، يتوجس الطالب ويشعر بالرهبة حينما يبدأ العمل، وفي الغالب يذهب إلى شخص له فترة طويلة من الممارسة ليتعلم منه، هنا يشعر أن الجامعة لم تقدم له معرفة مطلقا، وهنا يقع في الخطأ، فإن الجامعة وفرت له البيئة، والنقاط الأساسية التي ينطلق من خلالها، الدليل مثلا، ومهمة التوسع تعتمد عليه.. كطالب باحث عن المعرفة عليك التعلم أولًا أن الجامعة لا تنبأك بالاعتماد عليها بشكل كلي. هي تفتح لك نافذه، وأنت أسبح كما تشاء، وإن وجدت عوائق فستجد أصحاب التخصص أمامك هناك في قاعة المحاضرة.
إن كثير من المقبلين على الوظائف يندمون أنهم لم يقوموا بتجارب، ولو بالمجان، أن ينجزوا أعمال ويتركوها، أن يسوقوا لأنفسهم بالتجربة، أغلب فرص العمل تطلب منك خبرة عدة سنوات أو تقديم أبرز أعمالك، أي أنها لا تطلب الشهادة في المقام الأول. بل يتوجب المعرفة بأن أهم طلب عند الموارد البشرية اعطائهم نماذج من أعمالك السابقة، لماذا يأتي هذا في البداية، وليس الشهادة الجامعية التي سهرت لأجلها سنوات. أنهم يبحثون عن أشخاص يعرفون جيدا ما يقومون به.
أما في الأخير فإنهم يطلبون شهادتك الجامعية لإكمال اجراءات القبول فقط، هذا إن كنت تملك أعمال سابقة ذات جودة مقبولة، اما اذا كانت جودة عالية فإنه لا يهتم أبدا، ابدا، إن كان معدلك في الجامعة مقبولا حتى، أو أنك مازالت طالبا في المراحل الأولى.. لن يهتم؛ سيقولك لك: باشر عملك، وشهادتك ستأتي. إن سوق العمل سيعلمك أن الجودة، والتجربة هي أهم بكثير من الشهادة ودرجات الامتياز التي ليست إلا حبر على ورق..
إن كثير من الشركات وأرباب العمل لا يرغبون إلا بأصحاب التجارب السابقة، من لديهم سيرة ذاتية مدعومة وقوية، مثلا خريج قسم الصحافة، يطلب منك مدير التحرير الذي تود التوظيف لديه، ملف يتضمن أعمالك السابقة. “أعطني ما لديك من أعمال سابقة لأنظر أنك جدير بالوظيفة”، وكذلك في الهندسة وغيرها.
إن كان ماضيك خالي من أي عمل سابق، فمن المستحيل لأي صاحب عمل أن يدعك تطبق في منشئته.. في المختصر هو ليس لديه وقت أيضاً ليعلمك. إنه يبحث عن الجودة والخبرة، والتجربة، عن من يثق بأنه سيقوم بالواجب كما فعلها مرات عديدة، ولا يرغب كغيره أن تكون شركته ورشة عمل للمبتدئين خريجي الجامعات.