صنعاء / عبدالواحد السماعي :
يعاني المهمشين في اليمن من شتى أنواع العنصرية والتمييز ويتم في أغلب الأوقات تجريدهم من كافة حقوقهم الطبيعة التي كفلها لهم القانون مثل باقي المواطنين. فعلى مستوى الهوية، هم لا يملكون أي وثائق أو هوية تعرف بشخصهم في المجتمع، وحتى لم يتم تخصيص أماكن لهم للعيش بكرامة أو قبولهم كأفراد مهمين في المجتمع، وذلك بحسب ما ذكر رئيس الاتحاد الوطني للمهمشين نعمان الحذيفي.
يعمل غالب المهمشين في أعمال التنظيف في المستشفيات والمرافق العامة وكنس الشوارع وتجميع براميل القمامة وإصلاح أعطال دورات مياه التصريف الصحي. ويلجأ بعضهم إلى ممارسة التسول وتنظيف السيارات.
تأثير الحرب على هذه الفئة
لم تعانِ فئة مجتمعية من تبعات الحروب والصراعات المتعاقبة في اليمن مثلما عانى المهمّشين، وهم أدنى طبقة اجتماعية بالتعريف المجتمعي، من حيث المكانة التي يضعهم فيها كثيرون.
وقد سبب النزاع، الذي دخل الآن عامه السابع، معاناًة شديده لسكان اليمن بشكل عام والمهمشين بشكل خاص بسبب القتال المستمر الذي يتسم بهجمات غير مشروعة، والقيام بعمليات عسكرية تتسم بالطيش وتعرض المدنيين للخطر، وفرض قيود تعسفية على الواردات وعلى وصول المساعدة الإنسانية قللت من قدرة المدنيين وخاصة المهمشين على الحصول على الغذاء والماء والإمدادات الطبية، فضلاً عن الإضرار بالبنية التحتية.
أدى احتدام النزاع المستمر منذ مارس/آذار ٢٠١٥ إلى زيادة الفقر والتشرد وانعدام الأمن الغذائي ضمن[1] مجتمعات المهمشين، وعلى الرغم من أن الوكالات الإنسانية غالباً ما تعرض صور المهمشين في حملات جمع التبرعات والدعاية التي توثق الأزمة اليمنية، إلا أن المساعدات الإنسانية التي تصل لمجتمع المهمشين هي أقل اتساقاً بكثير من المجموعات الأخرى، وفي بعض المناطق تم إقصاء المهمشين من قوائم المساعدات.
دراسات سابقة
[1] كشفت دراسة مسحية لمجتمع المهمشين في اليمن أعدتها اليونيسيف، شملت 9،200 أسرة (51،406 شخصًا) عن ارتفاع مستويات الفقر، مع انخفاض مستويات الإلمام بالقراءة والكتابة والالتحاق بالمدارس.
وكشفت عن أن الظروف المعيشية للأسرة سيئة للغاية، وأنها تعاني من ضعف الحصول على الخدمات الاجتماعية الأساسية. وبينت الدراسة أن واحدا فقط من كل خمسة أشخاص ممن بلغت أعمارهم 15 عامًا فأكثر يستطيعون القراءة أو الكتابة، ولا يتم تسجيل سوى طفلين من كل أربعة أطفال تتراوح أعمارهم بين 6 أعوام و17 عامًا في المدرسة، كما أن تسجيل المواليد منخفض، حيث يبلغ 9% فقط.
وبالنسبة إلى السكن فإن ثلاثة أرباع الأسر التي شملها المسح تسكن في غرفة واحدة فقط، كما أن نصف الأسر يعتمد على مصادر المياه الخارجية مثل السدود والجداول، أو الآبار، وأقل من العشر فقط يحصل على المياه من مشاريع المياه الرئيسية.
وأن اثنين فقط من بين خمسة منازل وجد أنها تحتوي على مرحاض. وعلى الرغم من أن ثلث مواطني البلاد يحصلون على مساعدات من الشؤون الاجتماعية، فإن هذا المستوى ينخفض إلى خمس أسر من المهمشين فقط، فإذا كانوا يتجرعون الفقر بسبب التهميش، فإنهم يعانون من التهميش أيضا حتى في المساعدة التي تُقدم للفقراء، إذ يُقدم الفقراء والمحتاجون من بقية المجتمع على فقراء هذه الفئة.
عوائق تقف امام المهمشين للحصول على المساعدات
من ضمن العوائق التي تقف في وجهة فئة المهمشين في حصولهم على المساعدات هي افتقارهم إلى وثائق الهوية واستبعادهم من أي انتماء قبلي يعني أنهم غالبًا ما يكونون غير مؤهلين للحصول على المواد الغذائية وأشكال أخرى من المساعدات الإنسانية، ولا يتلقون سوى جزء بسيط من المساعدات التي يحتاجونها بالاستناد إلى وثائق بعض أولاد هذه الفئة في المدرسة.
أيضا نقص البيانات والاحصائيات حول جماعات بعينها، لا سيما الفئات المهمشة، قد أدى إلى ثغرات كبرى في تطوير وتنفيذ التدابير اللازمة لتلبية احتياجات كل افرادا هذه الفئة.
أيضاً الصراع المستمر منذ سبع سنوات أدى الى تنقل فئات المهمشين من خطوط المواجهة الى مناطق أخرى هذا صعب المهمة على بعض المنظمات في معرفة اعدادهم وأماكن تواجدهم، حيث ان الكثير من أسر المهمشين انتقلت الى أكثر من موقع خلال عام واحد.
أدى الصراع الى موجات نزوح كبيرة هذا جعل اغلب المنظمات تهتم للاستجابة لموجات النزوح الجديدة وأولئك الذين هُجّروا من منازلهم هذا أثر سلباً على فئات المهمشين في تقليص نسبة المساعدات وتجاهل بعض المنظمات لهم.
منظمات كثيرة – مساعدات لا تذكر
منظمات إنسانية واغاثية عده تعمل في اليمن منذ اندلاع الحرب حتى اليوم، وعلى رأسها منظمات الأمم المتحدة التي ظلت أنشطتها مثار تساؤلات ونقد وتقييم من قبل نشطاء وحقوقيين يمنيين.
أكثر من 40 منظمة دولية هددت أخيراً بتعليق عملها في اليمن نتيجة نقص التمويل، بعضها مجرد أسماء لا وجود لها فعلياً على الأرض، أسوة بالكثير من المنظمات اليمنية التي يتجاوز عددها 400 منظمة جميعها مسجلة على لوائح وزارة العمل، وليس لنصفها على الأقل مكاتب أو مقار معروفة.
يرى محمد قاسم نعمان رئيس مركز اليمن لدراسات حقوق الإنسان أن جزءاً من المبالغ التي أعلنت الدول المانحة تقديمها لليمن ستذهب للمنظمات الدولية تحت مسميات مختلفة (رواتب، إيجارات مكاتب، سفريات…إلخ)، و15% منها ستكون عبارة عن مساعدات غذائية و15% مكافأة للمسؤولين.
تقول المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين انها قدمت مساعدات عبارة عن دفعات نقدية لحوالي مليون يمني وذلك لشراء المواد الغذائية وتغطية التكاليف الملحة الأخرى مثل الأدوية والإيجار وترميم المأوى. كما توفر المفوضية المواد الأساسية بما في ذلك الفرش وأطقم المطبخ ومواد البناء الخاصة بالمأوى.
وتضيف تعمل المفوضية وبالتنسيق مع الشركاء على رصد احتياجات العائلات النازحة، بما في ذلك المهمشين
ومن شأن ذلك أن يساعد في تحديد الفئات الأكثر ضعفاً وضمان وصولهم إلى المساعدات الإنسانية، بما في ذلك الحصول على الدعم القانوني للمساعدة في الحصول على وثائق الهوية.
تقول المفوضية على الرغم من هذه المساعدة، لا يزال يعاني ملايين الأشخاص في اليمن وخصوصاً المهمشين. ويؤدي الصراع المستمر إلى تدهور حاد في الظروف المعيشية في جميع أنحاء البلاد. وتشهد المفوضية ارتفاعًا حادًا في احتياجات السكان، والتي تفاقمت بسبب خطوط المواجهة الجديدة، والاقتصاد المنهار، وتراجع مستوى الخدمات الاجتماعية، وفقدان سبل العيش.
المنسق الإعلامي في منظمة “أوتشا” الدولية، حمزة النجري، قال لـ”الشرق” إن “المنظمات العاملة في اليمن تقوم بواجبها، ولكن حجم الكارثة أكبر من الجهود الإغاثية، فهناك 4 ملايين مهجّر منذ أكثر من 5 سنوات غالبيتهم من دون مصدر دخل، في ظل انتشار واسع للأمراض والأوبئة”، لافتاً إلى أن “من الطبيعي وسط هذا الخراب ألا تتمكن الجهود الإغاثية من انتشال هؤلاء من وضعهم المأساوي”.
ويوضح حمزة النجري أن “المنظمات الدولية هي مجرد هيئات مهمتها تقديم العون، ولكن البعض يريدها أن تقوم مقام الدولة بحيث تدفع الرواتب وتقدم مواد غذائية بصفة مستمرة للمحتاجين، وهذا غير متاح بالطبع، بالإضافة إلى المصاعب الميدانية التي تحتاج إلى بتسهيلات من جميع الأطراف في اليمن، وغالباً لا يكون الأمر متاحاً وسهلاً”.
عمل عشوائي
كما تلاحظون في الصورة شعار منظمة UNOPS مكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع على أحد براميل القمامة في أحد محاوي المهمشين بالعاصمة صنعاء، حيث يمتلئ هذا البرميل في اول ساعتين من اليوم وبعد ذلك يتم رمي القمامة بجوار البرميل حسب تصريح أحد السكان في المحوى، يضيف نحن نحتاج الى 6 براميل في هذا المكان والمنظمة وفرت واحد.
ما يزيد الطين بلة هو وجود خزان لمياه الشرب لا يبعد سوى مترين عن برميل القمامة بل ان أكياس القمامة والمخلفات أصبحت تحيط خزان المياه من كل جانب.
تقول سنى وهي من سكان هذا المحوى عمرها 31 عام “حتى لو وجد الماء شوف فين يحطوا الخزان لنا بين القمامة قد اشتكينا اكثر من مرة بس ما فيش فايدة ولا حد يسمعنا”
[1] لتهميش التاريخي والممنهج لمجتمع المهمشين في اليمن | مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية
تقول نبيهة 40 عام ام لستة أطفال ان بعض الاسر تحصل على مساعدات من أكثر من جهة وبعض الاسر لا تحصل على مساعدة اطلاقاً، وتعلل ذلك انها لا تدري اين تسجل ولا تعرف اين تذهب وعندما تم تسجيل الاسر داخل المحوى كانت حاضره اخبروها الأشخاص الذين يقومون بتسجيل الحالات ان الوقت أصبح متأخر سيذهبون لتناول طعام الغداء ثم يعودون بعد الظهر لتسجيل الحالات المتبقية لكنهم لم يعودوا اطلاقاً.
تضيف نبيهة ان جارتها تستلم مساعدات هي وأولادها كل شهر من منظمتين وانا لا احصل على شيء لأني مسكينة ومش عارفة اين اروح.
حكايات معاناة من داخل المحاوي.
على عتبات منازل صغيرة، وأبواب خيام مهترئة يسند احمد ظهرة الى احد هذه المنازل، تلك المنازل التي تكاد تنعدم فيها مقومات الإيواء، وتلك الخيم التي أكل منها الدهر وشرب، وأولئك الاطفال الذين يحدقون في الشمس ويرتدون ملابس لا تغطي إلا الثلث من أجسامهم، ذلك كله مشهد واحد فقط، تصبح وتمسي عليه فئة من اليمنيين دارت عليهم الأيام وباتوا يعرفون بـ«المهمشين»
سئلت احمد عن اذا كان بالإمكان ان يرافقنا للتنقل داخل المحوى للتعرف عن قرب على بيوت المهمشين واوضاعهم، قام احمد من مكانة وبداء بالمشي معنا داخل الازقة وبين الخيام في هذا المحوى ، كان يسير حافي القدمين ويلبس بنطلونا يبدو انه ليس من مقاسة.
في الممرات الضيقة … وبعد أن تعرف على هويتنا كان احمد كثير الكلام، وكان يعتقد اننا منظمة جاءت لتنتشلهم من أوضاعهم المزرية، تحدث كثيراً وحاول أن يختزل معاناة آلاف الأشخاص في وقت قياسي.
المسنون من هذه الفئة يعرضون أجسادهم للشمس باكراً طلباً للدفء، والأطفال يلهون معظمهم عراة، ويلاحظ الزائر لأحياء المهمشين كيف أن غرفة واحدة مبنية من الأحجار العشوائية و”الطرابيل الخفيفة” هي كل ما تمتلكه أسرة معدمة.
يشير أحد المهمشين بيده الى منازل محيطة بالمحوى يملكها أشخاص ليسوا من فئة المهمشين، ويقول “هؤلاء يصل إليهم مشروع ماء، ونحن هنا على بعد أمتار لا تصل إلينا قطرة واحدة، الناس هنا في هذه المساكن تعيش على خدمة فاعل خير، كل يوم يجلب لنا بضعة وايتات ماء ونقف في طوابير طويلة محملين “بدباب” كل ينتظر دوره وغالباً ما يحدث شجار عنيف.
ذكرى احدى النساء التي تعيش في محوى في حي الحصبة هو وزوجها وثلاثة أطفال في غرفة مبنية من الطرابيل لا تتجاوز مترين يتشاركون مع ست اسر أخرى دورة مياه واحده لا ترقى لان يسميها احد دورة مياه.
في الجانب الاخر من الحي التقينا زكي الشاب ذات الاثني عشر ربيعاً، يحمل على يديه دبتين من الماء سعة كل واحده 20 لتر، وتبدوا على وجهة نظرات البؤس والحرمان والاحتياج. يقول زكي “من الساعة السادسة الصباح وانا مسارب للحصول على هذه الدبة الماء ايش من عيشة الي نحنا فيها، وين المنظمات الي راح تساعدنا كل يوم صحفيين وتصوير ولا شفنا شيء منهم”.
على مسافة ليست بعيدة من زكي وجدنا امراه مسنة يناديها الأطفال يا خالة مريم تحمل دبة ماء تكاد تسقط من ثقل الدبة، حيث تمشي بضعة أمتار وتحط الدبة على الأرض لتستريح قليلاً، عندما سألناها اين ابنائك ليحملوا عنك، اجابت “لقد خرجوا يطلبوا الله بحق المصاريف وزوجي مشلول في البيت له 12 سنة”. وتضيف الخالة مريم ” المنظمات تجي تعمل دراسة عندنا وتسجلنا وتحسب عددنا فقط ، بس تقدم حاجة لنا ما فيش”.
يرى الناشط عبدالعزيز القادري أن هذه الفئة تعيش بمعزل عن المجتمع، فعامة المجتمع لا يشاركون هذه الفئة أفراحهم أو أحزانهم مثلا، كما أنها مميزة ايضاً في توزيع المساعدات فهناك فئات في المجتمع تحصل على مساعدات ووضعها افضل بكثير من فئة المهمشين.
ويقول الأستاذ نعمان الحذيفي رئيس الاتحاد الوطني للمهمشين ان عدم وجود تعداد صحيح لهذه الفئة يحد من وصولها الى المساعدات ايضاً ان هناك بعض المنظمات لا تكلف نفسها في الدخول والبحث عن افراد هذه الفئة وتلمس احتياجاتهم.
للمهمشين قصص ابعد من مجرد إحساس بأن الحياة لم تعد تحتمل في مكان ما المهمشون قصص تتكرر مآسيها وإن اختلفت تفاصيلها من مكان إلى آخر.
بالنسبة للمهمشين إن كنت محظوظاً بشكل كاف سيكون لديك الوقت للتفكير إلى أين سينتهي بك المطاف كصاحب بشرة سوداء قليل الحظ.
أما إذا لم تكن محظوظا فستترك كل ذلك وراءك وتنشغل بتنظيف الطرقات ومد يدك للمارة وأصحاب المحلات التجارية حتى النهاية.