حيرة قبر بلا وطن!
في لحظات -ليست بالقليلة_ تتبادر إلى ذهني رواية “يموتون غرباء” للروائي محمد عبدالولي وكأنني أحد شخوصها أو ربما كنت أنا “عبده سعيد” ذاته.. ذاك المشتت المشاعر بين بلد بعيش فيه ولا ينتمي إليه وبلد ولد فيه، يفقده وتفتقده روحه كلما طال غيابه عنها..ترهقه فكرة بلد ليس منه وبلد ابتعد عنه وهو منه.
* هل سأموت غريبا؟! .. لا أريد أن أفعل ذلك لكن ذلك ما يبدو حالياً، ودائما أتساءل: هل الأقدار تعرف أنني لست في بلدي؟! وإن كانت تعرف أيحق لها أن تسلبني وأنا غريب ؟! وإن كانت لاتعرف، أليس ظلما فعل ذلك؟!
* بعيدا عن يقينيات “وماتدري بأي أرض تموت”، جل ما أعرفه فقط أن غربة الموت تؤرقني كثيرا، فلا أريد الموت وبجانبي وجوه لا أعرفها، وألسنة لا أستسيغ نطقها للحروف ولا حتى سماعها لانني قبل أن أموت فشلت في تعلمها.
* التساؤلات كثيرة.. هل سيراني جيران القبور هنا غريبا ودخيلا ينفقون عليه من ضرائب الممات ويضايقوني بنظرات الاستحواذ على قبر كان من مفترضا أن لايكون نزيله أنا.. أترى سيغضب هؤلاء الجيران الموتي في مدافنهم حينما تأتي زوجتي وابنتي “المحجبتان” لقراءة الفاتحة على روحي بلا باقة ورد أو قطعه من شيء كنت أمتلكه.
* اذا مت هنا .. أأكون خائنا لوطنٍ تركته خلفي لنخاسي السياسه والطارئين في السلطه والثراء ودعاة السلاله والحكم وآلات القتل ومبتذلي مواقع التواصل الاجتماعي.
وإن كنت خائنا، أليس الظلم والقتل يجعل الخيانة شيئا بسيطا ؟؟!
” ربما بعد ذاك الموت سيعتقد الكثير من أصدقائي أنني خنتهم بتركي لهم هناك في الوطن بلا مقيل ولا ضحكات ولا حشوش، وصحفيون لن يتذكروني إلا نقابيا خلف وراءه زملاء يتعرضون لانتهاكات القتله ولم يستطع أن يفعل لهم شيئا.. وربما لن يتمنى لي أحدهم الرحمة لأن الحكومه قطعت راتبه ولم أعده له، أسيغضب مني صديقي محمد العبسي أنه مات مسموما في صنعاء ومت أنا بعيدا في سويسرا؟!
* ليس ما سبق وحده يقلقني.. بل إن مت هادئاً هنا في حدائقهم الخضراء البعيدة والتي لا تشبه أبداً حدائق الحوثيين وصور موتاهم في معركة (النفس الطويل)، لكنهم القتلة في بلدي سيطمئون حينما يجد جيراني من مواطني هذي الدوله أن جارهم ليس إلا ذاك الغريب عن وطنه، وإن زائريهم لن يشعروا بالارتياح من مجاورة قريبهم لقبر لاجئ بلا وطن.
* سأقول لكم شيئا، ما يشعرني بالقهر هو أنني لن أسمع حين موتي حشوش الأصدقاء ولا لعناتهم وهم يقولون إنه مات في بلد تمتلئ بالبنوك، ولا تَذكرهم مساوئي التي اكتشفوها بعد أن ابتعدت عنهم، ولا حشوشهم متخيلين موتي الغريب، إما متخما بالأكل غير الحلال أو ثملا بالشراب أو بين أحضان الشقراوات.
ربما وحده صهري محمد الظاهري من سيظل ينفي عني كل التهم كعادته حينما كنت حيا حتى وإن كنت حينها مذنبا.. وكذلك غمدان اليوسفي الذي سأراه يبكيني وهو يسرد لهم للمرة الألف حكاياتنا في الجامعه والأزقة الخلفية لحارات وشوارع صنعاء هربا من الدين والجوع وسيشتمكم لأنكم ستظنون أنه سيموت مثلي غريبا وخائنا.
* شيء ما يرحيني في قبري هنا، أنني لن أضطر لأن ابتسم لجاري السويسري كما كنت أفعل حينما كنت حيا وكأنني أريد أن أقول له بتلك الابتسامة المصطنعه أنني إنسان عادي وليس إرهابيا ولا متخلفا جاء إلى بلدك ليتعلم كيف ينظف أسنانه.
* في الغربة والبلد الذي لا يشبهك.. أيكون القبر وطنا لك، أم ستكون لاجئا غير محبوب في قبر ليس لك من ترابه شيء.
لم أجد لأسئلتي من ردود، سأنتظر إلى أن أموت كي أعرف الإجابة.
المصدر- يزن