اهم الاخبار

نساء في مواجهة اشتباه الكورونا

صفاء زيد
في اول ايام شهر رمضان الفائت واثناء صداح اذان المغرب يعلو المأذنة للأقطار تناولت وجبة الإفطار برفقة العائلة وانا في اتم الصحة والعافية، وفي تمام الساعة الثانية عشر شعرت برشح وبداية اعراض الانفلونزا، وبدا رأسي بالدوار، وعندها ذهبت للمطبخ، وقمت بشرب كأسا من الليمون وذهبت للفراش حتى احظى بقسط من الراحة.
عند الساعة الثالثة فجرا استيقظت وانا في اشد التعب والارهاق، فذهبت مرة اخرى وعلى الفور للمطبخ وقمت بتحضير علاج عشبي حيث تناولت الزنجبيل وبعض الاعشاب، وداومت على هذه الوصفة العشبية لفترة ثلاثة ايام بعدها تملكني احساس بتمكني من المرض إذ بدأت الأعراض تذهب وتعود، ومن ثم غادرت جسدي تماما وتعافيت من الوباء المتفشي بالمدينة.
لم تمر سوى يومان حتى دخلت والدتي في دوامة الصراع مع نفس الوباء وبدأت تشعر بالأعراض التي داهمتني فما كان مني سوى التنبه للأمر وقمت من اللحظات الأولى بالاعتناء بها حتى تمكنت – بمشيئة الله – وبتلك العقاقير العشبية هزيمة الفيروس واستطاعت والدتي النجاة من بين مخالبه.
مر على شفاء والدتي عشرة ايام وبالتحديد في النصف من رمضان سقطت اختي الكبرى بحالة شرسة من الأعراض ” الكير ونية ” اللعينة وعندها أدركت أن الوباء غزا المنزل وانتشر في كل الزوايا وبتُ وحيدة امام جائحة هزت العالم وأسقطت أعتى المنظومات الطبية.
كنت احاول الدخول للمواقع الطبية ومنصات التواصل الاجتماعي حتى ابحث عن معلومات يمكنها افادتي، فأنا ادير قسما للطوارئ في المنزل ولست متخصصة وليس بوسعي حتى ضرب الحقن، لكني لا أجد سوى الرعب والوفيات والجائحة تفتك بكل شيء.
اتبعت نفس الأسلوب ونفس طريقة العلاج مع شقيقتي بيد ان استجابتها كانت ضعيفة للغاية وأحيانا تتدهور وتنتكس بشكل مخيف، اتواصل مع الصديقات فيخبرنني ان الذهاب بها للمشفى قد يودي بحياتها لا سيما أن المدينة كانت تشهد في تلك الفترة شائعة ” حقن الرحمة ” والتي توسعت ووصلت حينها للذروة.
خشيت من اخبار الجيران والصديقات خوفا من تنمر المجتمع واخضاع اسرتنا لحجر قسري قد يحرمني من مجرد التسوق أو شراء بعض الأدوية الهامة، كان هاجس الفيروس يدفعني للتعقيم كل ساعة تقريبا، والقيام بأمور احترازية ووقائية مكررة ورتيبة.
مرضت شقيقتي مرضاً شديداً حتى شعرت ان دواء الاعشاب لم يكن بالنسبة لي ووالدتي سوى مصادفة وانه عديم جدوى ذلك ان نتائجه مع اختي كانت منعدمة، وخفت كثيرا وأنا وحيدة في ليل المدينة القلق من أن أفقدها ولم يكن لدي خيار آخر سوى الاستمرار والمضي في تحضير دواء الاعشاب ومحاولة رفد شقيقتي قوة معنوية للمقاومة.
بذلت قصار جهدي، اعشاب، ليمون، زنجبيل، تعقيم متواصل، سوائل.. لقد صارعنا المرض سويا، وكانت تقول لي يبدو انني لن اتعافى واخاف ان لا ارى ابنائي في يوم العيد !!، وبالفعل هذا ما حدث فالعيد اقتحم اوجاعنا ونحن في غمرة الحزن حيث دخلت شقيقتي في أول ايام العيد غيبوبة اعتقدت وقتها أنها النهاية وشعرت العائلة أن الوباء قد اختطفها ولكن – يا الغرابة – قاومت قليلا في اليوم التالي ونهضت من الفراش وطلبت بإصرار ان تخرج هي لإحضار بعض الدواء وان تستنشق بعض الهواء النقي وتتعرض لأشعة الشمس المباشرة.
لبست الكمامة وارتدت القفازات وخرجت الى صيدلية التي تقع منتصف الشارع، دخلت إلى داخلها وهناك قامت بشرح حالتها إلى الصيدلاني وطلبت منه اعطاءها بعض المسكنات فما كان منه الا أن صرخ في وجهها وطلب منها المغادرة واستخدم كلمات جارحة حول العدوى ومن سمح لها بالخروج، وهي تصر عليه بمنحها الدواء وهو يواصل طردها ومحاولة دفعها للخارج.
عادت إلى المنزل وحدثتني والدموع تملأ عينيها وحالتها النفسية متعبة للغاية، فاحتضنتها وقلت لها سوف نصارع المرض سويا وذكرتها كيف نجونا انا ووالدتي منه بمنتهى السهولة ومنحني الله قوة إيمانية استطعت في لحظات بعث الأمل في روحها وجعلتها تتحدى المرض بقوة لا حدود لها.
مضت ايام قلائل وبدأت الحياة تدب في روح شقيقتي وبدأ الفيروس يتقهقر وبلا أدوية وبتلك الاعشاب تجاوزنا سويا الوباء وطردناه من بيتنا دون فقدان أحد.
نعم فعلنا ذلك والبارحة كانت المفاجأة المذهلة، فبعد ان ودعتهم قبل نحو نصف شهر، وما زلت مسكونة بتلك الايام السوداء الممزوجة بالآلام والإرهاق والمعاناة الطويلة، فاجأتني شقيقتي وكافة أسرتي بقدومهم لمنزلي للاحتفاء بالعيد الأول لميلاد ابني ومرور أكثر من نصف شهر دون ظهور اية اعراض على أحدهم وكان الفرح يتقافز من ملامحهم والسعادة تغمر عالمهم الصغير وأحلامهم البيضاء.
هذه قصتي، وهي حقيقية، وقد عشت تفاصيل بؤسها ولم أكن احبذ حتى مجرد تذكرها، لقد بقيت لأيام وانا في رعب متواصل وارق غير عادي ونوم غير طبيعي وتغيرت ملامح حياتي والبارحة فقط، البارحة وانا اشاهد طفلي وفرحة والده وابتهاج أسرتي أشعل في أعماقي روحا خفية كنت قد دفنتها هناك في قلب عاصفة مواجهة الجائحة لكنني استعدتها وها انا ذا ادون ما بات ذكرى للانتصار ومحطة نجاح في مشوار العمر الحافل بالتحديات والنجاحات والإصرار على البقاء والمضي حتى النهاية.
زر الذهاب إلى الأعلى