مؤرخ يمني يصدر أول مدونة علمية لنقوش موقع الأخدود بنجران
تقارير
أصدر المؤرخ اليمني الدكتور محمد بن علي الحاج، كتاب جديد يتناول فيه تاريخ نجران قبل الإسلام وواقعة الأخدود الشهيرة التي أوردها القرآن الكريم مستندا لدراسات ميدانية ونقوش.
ويتضمن الكتاب الصادر عن دار جامعة الملك سعود، دراسة وتحليل جميع نقوش موقع الأخدود المسندية البالغ عددها قرابة 100 نقش مسندي، تنوعت بين نقوش نذرية، ومعمارية، وتذكارية، وتشريعية، وماسمي بنقوش الاعتراف العلني بالذنب.
ويوفر الكتاب من خلال الكشف والدراسة عن هذه النقوش التي قام بها الدكتور محمد الحاج، أستاذ الآثار والنقوش العربية القديمة المساعد بجامعتي صنعاء في اليمن، وحائل في المملكة العربية السعودية، مرجعا علميا وفرصة للقارئ لمعرفة الشيء الكثير مثل أسماء الشعوب التي قامت في موقع الأخدود وإنجازاتها الحضارية، وأسماء الممالك التي تعاقبت عليه وما تركته من إرث حضاري، وأسماء الأسر التي سكنته، وأسماء الرجاء والنساء الذين أقاموا به، وأسماء المنشآت الدينية والمدنية التي أقيمت في موقع الأخدود وأصحابها.
ومن أبرز النتائج التي كشف عنها الدكتور الحاج أن الاسم القديم لموقع الأخدود هو مدينة ظربان الوارد ذكرها في نقوش موقع الأخدود بصيغة (ه ج ر ن/ ظ ر ب ن)، فضلًا عن ما قدمه من آراء ونتائج وتحليلات علمية عن معنى اسم الأخدود، ومنطقة رجمة، والقضايا اللغوية في لغة نجران قبل الإسلام.
ويحسب للحاج أنه ضمن كتابه الجديد فصلين علميين تاريخيين، أهتم الأول بدارسة تاريخ نجران قبل الإسلام من واقع النقوش المسندية التي عثر عليها في موقع الأخدود وفي مدن ممالك جنوب الجزيرة العربية، وقد جاء على مبحثين، الأول عني بتاريخ نجران قبل الإسلام منذ بداية الألف الأول وحتى القرن الأول قبل الميلاد، بينما أهتم المبحث الثاني بتاريخ نجران قبل الإسلام من القرن الأول حتى السادس الميلادي.
وجاء الفصل الثاني عن تاريخ موقع الأخدود في ضوء المصادر النقشية المسندية ونتائج التنقيبات الأثرية، وقد استطاع من خلال هذا الفصل إثبات أن موقع الأخدود كان خلال النصف الثاني من الألف الأول قبل الميلاد قائما كمدينة مهمة على الطريق التجاري القديم الرابط بين جنوب الجزيرة العربية وشمالها.
الكتاب الذي قدم له الأستاذ الدكتور سعيد بن فايز السعيد أستاذ اللغات والحضارات القديمة بجامعة الملك، والدكتور عوض الزهراني رئيس فريق التنقيب الأثري السعودي في موقع الأخدود، ومدير قطاع المتاحف بهيئة السياحة والتراث الوطني، هو من القطع المتوسط ويقع في 350 صفحة.
يعتبر الكتاب أهم إصدار تاريخي وآثاري عن منطقة الأخدود بنجران حتى الآن حيث كشف الستار عن معلومات جمة وقيمة، وسيضيف للمكتبة العربية رافداً علمياً كبيراً وإثراءً علمياً كبيراً من عدة نواحي، سواء من حيث التاريخ السياسي أو الاجتماعي أو اللغوي.
وتحتل نجران موقعًا فريدًا في أهميته قديمًا، جعلها تقوم على دعامتين اقتصاديتين، الأولى: الزراعة الناجمة عن خصوبة الأرض وتوفر المياه الجوفية؛ ما جعل نجران من أقدم المناطق التي استوطنها الإنسان.
وتمثلت الدعامة الإقتصادية الثانية: بوصفها همزة وصل بين تجارة الجنوب والشمال، ومركزًا لانطلاق القوافل براً إلى الشرق والشمال، والمتتبع لحركة القوافل التجارية، وموقع نجران منها يجد أنها كانت بحق تتفرد في ربط طريق اللبان والبخور القادم من شتى بقاع جنوب جزيرة العرب بالطرق المتجهة شمالًا وشرقًا، وإلى الوسط بل وتشرف على أجزاء كثيرة منه بحكم توسطها ذلك الطريق؛ لذلك ازدهرت مدنها وعمت بالخيرات والتجار، وجمعت من خراجه الكثير.
وازدادت أهمية نجران مع ظهور وازدهار الطريق التجاري البري المار بها منذ حوالي (1500) قبل الميلاد، وهو حال مُجمل مدن الكيانات السياسية الواقعة في الوديان الشرقية لجنوب الجزيرة العربية، وهي الفترة التي شهدت اكتشاف هياكل عظمية للجمال في كل من غزة، نقطة النهاية للتجارة البرية القادمة من جنوب الجزيرة العربية.
ولأهمية منطقة نجران التاريخية فقد احتوت أكثر من 10 آلاف نقش مسندي وإسلامي معظمها سبئية ومعينية ثم حميرية، وكذلك ثمودية ونبطية وهي قليلة، لكن غالبيتها سبأية ومعينية، ما يعني أن المنطقة مثلت تاريخاً كبيراً ملحمياً.
وتشتهر نجران بحادثة الأخدود الواردة في القرآن الكريم في سورة البروج، والتي دونت حادثة إحراق الملك ذي نواس الحميري (يوسف أثأر أسأرن) نصارى نجران لحملهم على اعتناق اليهودية إلا أنه فشل في ذلك فخد لهم أخدوداً، كما هو مشهور، وقام بإحراقهم، وذلك في نهاية القرن الخامس الميلادي.
وصدر للمؤلف الحاج كتاب عن دار جامعة الملك سعود كتاب بعنوان: نقوش عربية قديمة وإسلامية من منطقة نجران، وذلك بالاشتراك مع الاستاذ الدكتور سليمان الذيب.
وقد عمل مؤلفا الكتاب على دراسة وتحليل 99 نقشا مسنديا منها ما كتب بالخط السبئي ومنها ما كتب بالخط الثمودي، فضلا عن دراسة 46 نقشا إسلاميا مبكرا تعود للفترة الواقعة بين القرن الأول إلى الثالث الهجري.
والدكتور محمد بن علي الحاج: أكاديمي يمني مختص في الآثار والنقوش اليمنية القديمة وتحقيق التراث اليمني القديم، وهو من مواليد صنعاء 1981م.
درس في قسم الآثار جامعة صنعاء وفي جامعة الملك سعود ونال شهادة الماجستير والدكتوراه في تخصص النقوش العربية القديمة من قسم الآثار جامعة الملك سعود.
وتُعد رسالته للدكتوراه واحدة من أهم الأعمال العلمية التي عُنيت بدراسة وتحقيق وتوثيق جزء مهم وغائب من تاريخ اليمن القديم، كونها دراسة وتحقيق لواحد وثمانين نقشًا جديدًا تنوعت بين نقوش تشريعية، ومعمارية ونذرية، تحتوي على معطيات لغوية وتاريخية جديدة، يصل طول بعض تلك إلى النقوش إلى حوالي المترين وتحديدًا تلك المدونة على ألواح برونزية تعود لمنتصف الأول قبل الميلاد، فضلا عن النقوش التشريعية التي عكست مدى تحضر شعوب اليمن القديم.
وصدر للباحث والمؤلف الحاج العديد من الكتب ، على رأسها كتاب في تاريخ اليمن قبل الإسلام: نقوش مسندية من هجر العادي بوادي حريب، دراسة لغوية تاريخية مقارنة، وكذلك كتاب “نقوش قتبانية من هجر العادي (مريمة قديمًا) دراسة في دلالاتها اللغوية والدينية والتاريخية”، وكتاب “نقوش مسندية من موقع الأخدود” وهو الذي بين أيدينا حالياً وكتاب “نقوش عربية قديمة وإسلامية من نجران” بالاشتراك مع الدكتور سليمان الذييب.
ونال الحاج عدداً من الجوائز العلمية أبرزها جائزة التميز العلمي من جامعة الملك سعود للعام 2014م، وجائزة المعهد الأمريكي للدراسات الاجتماعية اليمنية في مجال الدراسات الأثرية للعام 2016م، وهو عضو في عدد من الجمعيات التاريخية والأثرية.