وسط كل التعقيدات المتشابكة في الحياة اليمنية، كان على اليمني أن يبحث عن طرقٍ أخرى غير الحرب وقوة السلاح، لإثبات الذات في الوجود البشري الذي يتطور يوماً بعد آخر، وسط تراجع مخيف في الحياة اليمنية على كافة الأصعدة.
نشاهد اليوم ونلمس حجم الهوّة التي تتسع بيننا وبين المجتمعات الأخرى، من تطورٍ علمي ومعرفي، وتقدم في الحياة اليومية التي تتسم بالهدوء العام والاستقرار المجتمعي.
ورغم كل هذه الفوارق النفسية والمادية والذهنية التي لا شك تسهم كثيراً في بناء الشخصية الفعّالة والناجحة والمجتمع المنتج والصالح للعيش الكريم، نجد بين الحين والآخر التميز اليمني في بلدان مختلفة، وفي مجالات عدة، تكون علمية أو عملية.
في هذا التقرير الصحفي، نسلط الضوء على مجموعة من مبدعي اليمن في جمهورية السودان، وتفاصيل حصولهم على براءات اختراع لإنجازات علمية حصلت على المكانة المرموقة والمستحقة عند أهل الاختصاص.
عبدالمجيد اليهاري
اليهاري أحد أولئك المتميزين، إذ حصل على العديد من الشهائد العلمية، وأهمها الزمالة الإيطالية في طب الأسنان.
بعدها عاد اليهاري إلى اليمن، ليعمل كرئيس لقسم الجراحة في كلية الأسنان بجامعة ذمار.
لكن بسبب الحرب، اضطر لمغادرة بلاده إلى السودان الذي يقيم فيه حالياً، ويعمل أستاذاً مساعداً في كلية الطب بجامعة أفريقيا العالمية.
ومُنح من المسجل العام للملكية الفكرية بوزارة العدل السودانية، براءة اختراع لاكتشافه علاج مرض اعتلال العصب الخامس بدون ألم باستخدام الليزر، وعدم ظهور أعراض جانبية.
ويقول اليهاري إن هذا التميز أخذ من جهده الكثير، ولم يدخر جهداً في سبيل الإنسانية حتى وصل إلى ما وصل إليه، وقد نجح في علاج حالات عدة قدمت إليه من دول مختلفة، وهذا الأمر دائماً ما يشعره بالسعادة، وينتظر بكل صبر لحظة الاستقرار في اليمن حتى يعود إليها مسهماً على أرضها في خدمة بلده وأبناء شعبه.
اليهاري الذي تعود جذوره الأولى إلى قرية اليهاري بمحافظة إب (وسط اليمن)، لم يكن الأول، ولم يتوقف الأمر عند حدود إبداعه، لقد برزت عقول يمنية أخرى لها في تخصصاتها الإبداع الحقيقي الذي حصل بجهد أصحابها على المكانة العلمية العظيمة.
عمار صالح عبدالله عمر.
شابٌّ يمني آخر، خاض في مضمار تخصصه الكثير من المعارك العلمية، من محافظة حجة . يعمل عمار حالياً أستاذاً مساعداً في كلية الطب والعلوم الصحية بجامعة ذمار، لكنه سافر إلى السودان للأسباب القاهرة نفسها التي فرضت على الكثير من اليمنيين الهجرة والنزوح.
يتحدث عمار عن تميزه العلمي قائلاً: “الاكتشاف كان من رسالة الدكتوراه التي كانت حول دراسة علاقة الطفرات الوراثية في جيني BRAC1 وBRCA2 بسرطان الثدي في النساء، وكان من ضمن نتائج الدراسة التوصل إلى اكتشاف 57 طفرة وراثية، وهي أول مرة تكتشف على مستوى العالم، لها علاقة بسرطان الثدي في أوساط النساء اليمنيات، وتم تسجيل هذه الطفرات الوراثية باسمي، والمشرفون على الرسالة هم من أكبر موقع متخصص في الطفرات الوراثية، وهو الموقع الأمريكي Ncbi”.
ويضيف عن تجربته الصعبة والمريرة في هذه المرحلة الصعبة في بلاده التي تشهد حرباً منذ 6 سنوات: “كان ذلك مصدراً قوياً للبحث عن تميز يخدم البشرية بشكل عام، واليمن على وجه الخصوص”.
ومن الصعوبات التي واجهها في إنجازه العلمي خلال الدراسة والبحث، حسب قوله: “واجهتني صعوبات عدة خلال الدراسة، منها عدم توفر الإمكانات والأجهزة الخاصة بتحاليل الحمض النووي المستخلص من العينات المأخوذة من النساء اليمنيات المصابات بسرطان الثدي، في بلد الدراسة السودان، وهذا ما اضطرني إلى إرسال الحمض النووي إلى شركة ميكروجين، وهي شركة عالمية مشهورة، وإرسال جزء من العينات أيضاً إلى هولندا وكوريا الجنوبية. ورغم التكاليف المالية الباهظة، إلا أنني أصررت على إتمام الدراسة، والحمد لله نجحت، وشعرت بالرضا عن نفسي، والفخر الكبير الذي نشرف به وطننا وسط كل هذه المصاعب”.
ويتابع: “شعرت بسعادة بالغة وأنا أقدم خدمة للشريحة الأضعف في مجتمعنا، والمتمثلة في النساء المصابات بسرطان الثدي. وما أتمناه هو الاهتمام بمجال البحث العلمي، ودعم كل المبدعين، فهم أساس تقدم الأمم بعقولهم وأفكارهم”.
عبدالمعين عارف السقاف
متميز آخر، عجنته الظروف الصعبة، وصاغت إبداعه، حتى وصل إلى براءة اختراع جعلته في مرتبة عالية تفوق سنوات عمره التي مازالت تنضج على صدر العشرينيات.
السقاف من مواليد محافظة تعز، تدرج بعلمه من مساعد تدريس متعاون بقسم هندسة الحاسوب بجامعة الزعيم الأزهري في السودان، بعد تخرجه من الجامعة نفسها، والتخصص ذاته، وحصوله على المرتبة الأولى.
بعدها حصل على براءة اختراع مسجل في الملكية الفكرية السودانية، لمشروع بعنوان “نظام للتحكم بكرسي متحرك باستخدام إشارات الدماغ”. ويهدف النظام لإكساب المصابين بالشلل الرباعي، القدرة على التنقل دون مساعدة الآخرين.
وما يتمناه السقاف، كما يقول، أن يكون قد وضع درجة حقيقية لهذا التسلسل العلمي الذي يسهم في مساعدة المصابين بالشلل الرباعي، على التنقل دون الحاجة إلى مساعدة الآخرين. ورغم الصعوبات التي لم تكن تخلو من تعقيدات كل مرحلة، إلا أنه تمكن من تحقيق هذا الإنجاز، بفعل الدافع الإنساني الحقيقي، حسب قوله، وحلم خدمة بلاده، خصوصاً في ظل الوضع الموجع الذي تعيشه، والذي ستكون عليه الحال بعد الحرب.
- المشاهد