المدافع لن تحقق نصرا
فضل مبارك
ينبغي الإقرار، مهما تعالت الأصوات المتضادة، أن ما يجري في منطقتي الشيخ سالم والطرية بمحافظة أبين من معارك، هي معارك عبثية بكل المقاييس بغض النظر عن ما يرفعه كل طرف من طرفيها من شعارات وأهداف، ذلك أن إزهاق الأرواح وإراقة الدماء، لن تجدي نفعا ولن توصل لغاية ولن تحقق هدفا..
وليعلم طرفي القتال ( الشرعية والانتقالي ) أن الحرب في أبين لن تكون بوابة النصر لتحقيق مشروع الإنتقالي في فصل الجنوب واستعادة دولته، كما أنها بالمقابل لن تعمل على استعادة الشرعية المغتصبة من أكثر من طرف أو تنجز مشروعها في اليمن الاتحادي، وذلك لاعتبارات عدة، بينها أن هذه الحرب تدار بأيدي غير يمنية وأن ( خطامها ) ليست في أيدي طرفيها المتصارعين، وأن من يدعم هذا الطرف بآلة وعدة استمرار الحرب، يدعم خصمه أيضا.. ويريد لهذه الحرب أن تستمر طويلا الى أن يرهق طرفيها لآخر رمق.
ولعل المراقب الحصيف لسير المعارك منذ أكثر من شهر سيصل الى هذه النتيجة من خلال الوقوف على مسرح عملياتها القتالية، الذي حدده التحالف للطرفين للعب فيه بنحو اربعمئة كيلو متر مربع تمتد مابين قرن الكلاسي الى الشيخ سالم جنوبا، بامتداد منطقة الرملة والطرية شمالا وأي طرف يتهور ويتجاوز حدود الملعب لن يسمح له ابدا.. وحتى تلك العملية التي تقدمت فيها قوات حكومية الى مدينة جعار سرعان ماوئدت ولم يسمح بطول أمدها أو استمرارها دون أن تطلق رصاصة واحدة.
يضاف الى ذلك العامل السياسي المرافق لعمليات الكر والفر بين الطرفين، فقد استدعت السعودية قيادة المجلس الانتقالي منذ نحو شهر للتشاور معها بشأن الوضع في أبين.. وبالتأكيد فإن أي مشاورات في ظل تبادل قصف المدافع، ينبغي أن تتم خلال ساعات وأن تعقد عادة في المطار، نظرا لسخونة الوضع.. لكن أن يبقى الوفد هذه الفترة دون اتفاق يذكر، يضاف له أننا لم نسمع منذ دوران المواجهات أن عبر التحالف، بصفته مسيطرا ومسؤولا عن البلاد، بإصدار أي بيان ولو من باب جبر الخواطر ودعاية إعلامية، يدعو فيه الطرفين الى ضبط النفس ويعبر عن قلقه ( ويبدو أنه قلق بالغ العمق) وفي المقابل موقف الحكومة الشرعية التي تنظر لما يدور في أبين وكأنه فيلم لا يعنيها فقد تجاهلته حتى في لقاءاتها واجتماعاتها، وهذا ليس برضاها قدر ما يملي عليها اجندة اجتماعاتها وما ينبغي السماح لها أن تناقشه وتبدي الرأي فيه وحتى أخبار اجتماعاتها لابد أن تمر على الرقيب ( الكفيل) قبل أن تبث في وسائل اعلامها.
ودعونا نجلس مع مناصري كل طرف ونتساءل : إذا استطاعت قوات المجلس الانتقالي التقدم باتجاه شقرة، فهل اكتمل مشروعها وتحقق هدفها، ولو انها تقدمت الى شبوة وما بعدها كما يصرح قادة الانتقالي هل تسكت الشرعية وتتغاضى عن هدفها وتستقر الاوضاع.. ؟
وهل بمقدور الإنتقالي في هذا الظرف وفي ظل هذه التعقيدات وموقف الاقليم والعالم أن ينجح في إدارة دولة؟
ومن الزاوية المقابلة لو سنحت لقوات الشرعية الفرصة باقتحام دفاعات الانتقالي واكتسحت زنجبار ودخلت عدن.. هل هي بذلك قد حققت نصرا ؟
وهل وضعها عندئذ سيمكنها من ضبط إيقاع الأمور وبسط سيطرتها وهيبتها على عدن وباقي المحافظات المناوئة لها أم أنها ستدخل في نفق آخر أكثر تعقيدا وظلمة؟
خلاصة الأمر أنه ينبغي الإقتناع أن المدافع مهما بلغ مداها، لن تحقق نصرا مؤزرا.. ولن تخلق استقرارا مستداما، بقدر ما تزيد التباعد وتعمق الهوة وتمزق النسيج المجتمعي، لاسيما مع تعقيدات المشهد اليمني والتداخلات والتدخلات والتجاذبات والأطماع التي تنهش كبد الوطن الممزق والموزعة أشلاؤه بين أكثر من مطار وفندق ومرقص وحانة.