الست فريدة
سعادخذابخش خان
الساعة الثانية بعد منتصف الليل والست فريدة لم يغمض لها جفن تحدق في سقف الغرفة وشريط حياتها يعرض امامها..
ثلاثون عاما وهي تمارس عملها كمربية ومدرسة في مختلف مراحل التعليم وفي أكثر من مدرسة لتصبح المدرسة بيتها الأول والمكان الذي تستريح له وفيه، تعودت على شغب الطلبة وصخبهم ومشاكساتهم وتتعامل معهم كأنهم أولادها..
ثلاثون عاما وهي تمسك الطباشير وتؤدي رسالتها بأكثر مما يجب من الحب وبإخلاص وتفاني جعلها محط سخط كسالى الزملاء وحسد من بعضهم لأنها تحرجهم وتفضحهم بحبها للمهنة والتزامها الصارم بمواعيد الدراسة وحضورها اول العاملين ومغادرتها آخرهم..
صحيح إنها لم تنجب وأن زوجها رحل قبل خمس سنوات من الآن، إلا أن ذلك لم يمنعها من الإلتزام بعملها فقد نست مسألة الإنجاب لأنها متدينة تؤمن بأن الله هو الوهاب ولم تعترض بل أعتبرت طلبتها أبناء لها وهكذا كانت تعاملهم..
الست فريدة كما يحلو لأبنائها الطلبة مناداتها كانت محبوبة من الجميع ومنحت العديد من الجوائز وشهادات التكريم ، لكن تكريم الغد أحزنها وأربكها وحرمها النوم..
السيدة الفاضلة المربية والمعلمة فريدة لم يخطر على بالها أنها ستغادر نهائياً مدرستها بحجة بلوغها سن المعاش، عرضت عليهم أن تستمر تدرس بدون مقابل لكنهم رفضوا..
غداً ستذهب لحضور حفل تكريمها وهو آخر يوم لها في المدرسة ولهذا مرت الساعات ولم تنم وهي التي تنام في وقت محدد ولاتحب السهر ..
صحت متعبة بعد إغفاءة قصيرة ولبست وغادرت منزلها إلى المدرسة وصلت إليها مبكراً كعادتها قبل حضور طاقم التدريس والطلبة والجهات الرسمية المعنية بالتكريم..
مرت ساعتان لتجد نفسها في قاعة التكريم جالسة شاردة الذهن مشتتة الأفكار وتبتسم بفتور للزملاء المهنئين ولم تنتبه لإذاعة إسمها لتستلم شهادة تكريمها وهدايا الحفل إلا بعد أن وكزتها زميلتها التي بجانبها قائلة : فريدة قومي إستلمي شهادتك ..
إستلمت الشهادة والهدايا وأعتذرت عن إلقاء كلمة لأن حنجرتها متعبة من الحزن وعيناها تدمعان..
غادرت إلى بيتها حزينة مكلومة وحيدة ..
حيث لازوج ولا أولاد ولاطلبة..
الست فريدة هي سيدة فريدة من نوعها في سلوكها وتعاملها مع الآخرين ولن تعدم الحيلة في بدء حياة جديدة بعد سن الستين..ومن المؤكد إنها ستنجح وستستمر ..
…