اهم الاخبارحائط

النفايات والعيب الأسود

د. عبدالعزيز المقالح

تشيع في بعض العامية العربية تعابير جديرة بالتأمل، ومنها تعبير “العيب الأسود” بدلالاته العميقة والمعبرة عن الأفعال التي لا تُحتمل، وتتصادم مع كل القيم الأخلاقية.

وهذا التعبير جديرٌ بأن يدخل إلى قاموس الكتابة اليومية، فقد امتلأ الواقع بأكثر مما يستدعي إلى إنكاره وإدانته بأشد العبارات، وليست هناك عبارةٌ أقسى ولا أشد من عبارة “العيب الأسود” لما تحمله من دلالة تبعثُ على النفور، وتستدعي استنهاض حالة من المقاومة الأخلاقية.

لقد استمرأ كثيرٌ من البشر تدمير مقومات الحياة الأساسية، كما يحدث على شواطئ البحار وفي شوارع المدن التي تكاد تغص بالنفايات ولا تجد من المؤسسات المسؤولة ما يخفف من هذا التخريب البيئي الذي يعمل على انتشار الأوبئة والأمراض التي تجتاح الأحياء وتشكل حالة من “العيب الأسود”.

فالإهمال في حد ذاته “عيبٌ أسود”، وخطرٌ لا يمكن السكوت عليه أو التقليل منه.

إن “العيب الأسود” هو الصفة الدقيقة والمعبرة عن حالة الخطر الداهم الذي تعاني منه الطبيعة ويهدد الصحة.

وكما أن للمجتمع دورٌ كبيرٌ في مقاومة هذا العيب، فإن للأفراد كذلك دورهم وما ينبغي القيام به.

وفي حدود ما أعلم، فما زال المجتمع غير مبال بما يحدث وكذلك الأفراد، وكأن الأمر لا يعني الجميع ولا يهدد الحياة في أنقى وأجمل مستوياتها.

ويبدو أن على الكتّاب حملة الأقلام واجب التنبيه المستمر ودق نواقيس الخطر، فقد استشرت الأفعال المناهضة لهذا العيب الذي يتمدد بسرعة مدهشة على الأرض وفي الفضاء.

مأساة الإنسان أنه يعيش حالة من التحدي المستمر مع أبعاد المقاومة لكل العيوب التي تم وصفها بـ”العيب الأسود”.

وإذا كانت العيوب درجات، كما أثبتت الإشارات السابقة، فإن الدرجة القصوى من العيب هي هذه التي توصف بالأسود، وتؤكد على أن الحياة تكون عرضة للتدمير والتدقيق والتوقف إذا وصل العيب معها إلى هذه الحد.

ومهمتنا نحن البشر أن نراقب مسيرنا ومصيرنا وأن نمضي في الطريق السوي قبل أن تنحرف بنا الرغبات والغايات.

ولقد أعطى الله الإنسان عقلاً مدركاً ومميزاً يستطيع به أن يفرق بين الخير والشر وبين ما هو مستقيم ومعّوج.

ناقصوا العقول هم الذين لا يشعرون بأنهم ينحرفون بحياتهم بعيداً عن هذا الصراط المستقيم، ولهذا يتواصل سيرهم المنحرف حتى يصل إلى نهايته، وهي نهاية لا أتمنى لأي إنسان كان أن يصل إليها تحت أي ظرف من الظروف أو حالة من الحالات.

ولنا أن نأمل أن الإنسان بعقله وبتجاربه مهما كانت محدودة قادرٌ على أن يتجاوز الأخطاء ويتجنب الانحرافات.

زر الذهاب إلى الأعلى