شابة يمنية تقتحم اماكن زواج المتعة وتصور بكاميرا خفية كل الذي يحدث
كتب/ نوال المقحفي
صحفية ومخرجة في “بي بي سي”
بينما أتجوَّل في أكشاك السوق المحيطة بالضريح، لاحظت عديدًا من “مكاتب الزواج” المنتشرة حول المسجد والمرخصة لعقد زيجات شرعية، وعرفت أن بعض رجال الدين هنا يُسَهِّلون زيجات المتعة على المدى القصير؛ وهي ممارسة -غير قانونية بموجب القانون العراقي- حيث يمكن للرجال أن يدفعوا مقابل زوجة مؤقتة، مع حصول رجل الدين على عمولة.
قيل لي إنه وراء الأبواب المغلقة يوجد عديد من رجال الدين يستخدمون قوانين الزواج الشرعي؛ لاستغلال النساء من أجل الربح، وإن هؤلاء الرجال يستخدمون الفتيات والشابات الضعيفات في الدعارة المقنعة ويفلتون تمامًا من العقاب. ولكي نتأكد من تلك الرواية في تقرير مصور، اعتمدنا على مراسل متخفٍّ على مدى عام كامل؛ لمقابلة وتصوير الأطراف المعنية، خصوصًا رجال الدين الشيعة في مكاتب زواج المتعة المحيطة بالضريح، بينما تولَّيت مقابلة الضحايا الإناث اللاتي تعوَّدن التردد على هذه المكاتب.
اقترب مراسلنا السري من عدد من رجال الدين في مكاتب الزواج بالقرب من ضريح الكاظمية في بغداد؛ لمعرفة عدد الراغبين في تسهيل زواج المتعة. ومن بين 10 رجال دين تم الاتصال بهم؛ وافق 8 على ترتيب زواج ممتع لمراسلنا، حيث قال أحد هؤلاء الرجال ويُدعى، سيد رعد، لمراسلنا: “يمكنك الزواج من فتاة لمدة نصف الساعة، وبمجرد انتهاء هذه المدة، يمكنك الزواج من أخرى وهكذا”. بينما نصح رجل دين آخر مراسلنا باستخدام الخداع عند التخطيط لزواج المتعة، قائلًا: “لا تخبرها بمكان مكتبي في الكاظمية؛ حتى لا يمكنها أن تأتي بعذ ذلك للبحث عن حقوقها”.
كما عرض رعد إمكانية تسهيل زواج مراسلنا من فتاة عذراء بشرط أن يُبقي على عذريتها، مشيرًا إلى إمكانية ممارسة الجنس من الخلف. وعندما سأله مراسلنا عما سيحدث في حال لم تصبح عذراء، فأجابه رجل الدين بأنه “ليست هناك مشكلة، يمكنك أن تهرب ما دامت عائلتها لا تعرف طريق منزلك”.
قصص الضحايا
قابلت عديدًا من الشابات اللاتي يعشن مع عواقب أعمال رجال الدين؛ كانت إحداهن وتُدعى منى، 14 عامًا فقط، عندما بدأ رجل كبير السن في متابعتها في أثناء ذهابها من منزلها إلى المدرسة. تقول: “أخبرني أنه غني وأنه أحبّ شخصيتي، وأنني جميلة”، وبعد بضعة أسابيع قدمها إلى رجل دين وضغط عليها للدخول في زواج المتعة.
وتؤكد منى أنها أخبرت رجل الدين بأنها عذراء، لكنه لم يطلب موافقة والدَيها، كما هي العادة في العراق، قائلًا: “إن الأمر ليس ضروريًّا”؛ لأن الفتاة والرجل راشدان. وهي الآن في السابعة عشرة من عمرها وتتعرض إلى ضغط من عائلتها كي تتزوج؛ لكنها مذعورة من أن يكتشف زوجها المستقبلي أنها لم تعد عذراء، ما يجعلها تفكر في الانتحار.
ريم
أخذني التحقيق إلى كربلاء؛ حيث يوجد أقدس مواقع الشيعة في الإسلام. وكان جزء مهم من تحقيقنا هو إثبات دور السلطات الدينية في المدينة المقدسة في التغاضى عن ممارسة زواج المتعة. وفي مكتب الزواج الرئيسي، تحدثت إلى الشيخ عماد الأسدي، الذي أصر على أن هذه الممارسة غير قانونية. غير أننا وجدنا بالقرب منه رجل دين آخر لا يمانع في إتمام صفقات زواج المتعة، مع تقديم نصائح في “كيفية استغلال الأطفال جنسيًّا دونما يتم إلقاء القبض عليك”.
وعلى ما يبدو ليس هذا الرجل وحده المتورط في تلك الانتهاكات؛ فقد تحدثنا إلى سيدة تُدعى “ريم” تتهم رجل دين بارزًا بالتورط في ممارسات زواج المتعة وتسهيل الدعارة. ريم التي قُتل زوجها في أحد تفجرات “داعش” عام 2016، وأصبحت مع طفلَيها بلا مأوى، تم استغلالها عدة مرات في زواج المتعة، حين تزوجها رجل دين أولًا ثم باعها لثلاثة رجال آخرين.
غطاء ديني سياسي
ولكن كيف يمكن لرجال الدين أن يفلتوا من خرق القانون بهذا الشكل الصارخ؟ يبدو أن قوة المؤسسة الدينية الشيعية، المدعومة بإرهاب الميليشيات الشيعية المسلحة، أعطت رجال الدين الشيعة فرصة للإفلات التام من العقاب. وقد اكتشفنا خلال التحقيق أن عديدًا من رجال الدين يتمتعون بصلات سياسية قوية.. أحدهم، وهو السيد صلاح سلوي، المقيم في كربلاء، تفاخر لمراسلنا بأنه مرتبط بميليشيات شيعية، وهو ادعاء تأكدنا من مصداقيته من الأدلة المصورة التي وجدناها على وسائل التواصل الاجتماعي.
اقرأ أيضًا: على ماذا يجتمع السنة والشيعة؟ وما الذي يفرقهما؟
وقد حاولت “بي بي سي” الحصول على تعليقات من رجال الدين حول ما نسب إليهم؛ حيث أنكر سيد رعد تورطه في صفقات زواج المتعة، قائلًا إنه “تابع لآية الله السيستاني”، أكثر الشخصيات تأثيرًا في المجتمع الشيعي، بينما رفض آخرون التعليق.
من جانب آخر، تم التواصل مع مكتب السيستاني في مدينة النجف الأشرف؛ للحصول على توضيح بشأن موقفه من زواج المتعة. وجاء التعليق من مكتبه كالتالي: “إذا كانت هذه الممارسات تتم كما وصفتموها، فإننا نستنكرها؛ لأن الزواج المؤقت غير مصرح به كوسيلة لتسهيل ممارسة الجنس بما ينتهك إنسانية المرأة وكرامتها”. كما أكد البيان أنه “لا يجوز لولي أمر المرأة أن يزوجها دون موافقتها، ويجوز لها أن ترفض ما دام ذلك يحدث خارج القانون”.
ومثله مثل بعض زعماء الشيعة الآخرين في العراق، كتب آية الله السيستاني، البالغ من العمر 89 عامًا، في كتاب نُشر قبل 25 عامًا بعنوان “طريق الصالحين” أنه “يُسمح بالملامسة الجنسية لطفلة دون سن التاسعة في حال الوعد بالزواج أو الزواج المؤقت”، غير أن مكتبه أبلغ “بي بي سي” أن هذا قد تغير وتم حذفه من كتبه الحالية.
ويظهر هذا التحقيق كم المصاعب التي يعيشها عراق ما بعد الصراع، وصعود المؤسسة الدينية الشيعية المحافظة، التي عادت بعقارب الساعة إلى الوراء في ما يخص حقوق المرأة. في حين كانت القوانين العلمانية المصممة لحماية النساء والأطفال جزءًا من النظام القانوني العراقي منذ عقود، لكنها أصبحت بلا معنى بفضل الاستهتار المستمر من قِبَل رجال أقوياء تدعمهم المؤسسة الدينية والسياسية في البلاد. وفي الوقت نفسه، يدفع جيل كامل من الفتيات الصغيرات والنساء ثمنًا باهظًا.
المصدر: “الجارديان“