حائط

ذهب المنخفض وبقيت شواهده!!

سالم الفراص
…………………………………

كم هو مؤلم أن ترى وتسمع وتشارك الشيوخ والشباب، النساء والرجال، الصغار والكبار وهم يرددون رافعين أكفهم إلى السماء لاهجين بالتضرع إلى الله ان يحرمهم ويجنبهم ومدينتهم عدن نزول وتساقط الأمطار ما قل منها وما كثر.
وكم هو محزن ومثير للشفقة ان يحدث هذا ويتكرر كلما منت أو أوشكت غيوم السماء على عدن بربع ساعة أو نصفها أو بضع دقائق منها بمطر.
وبدلاً من ان يكون مثل هذا مبعثاً للفرحة والبهجة والاحتفال بها كفرصة للتمتع برؤية جمال جبال وسفوح عدن وهي تغتسل جذلى بالمطر والبرود نجد هذه المنة النادرة الحدوث وقد تحولت إلى مصدر للقلق والفزع والضيق لحتمية ما تحدثه تلك الدقائق من نزول القطر من تهديد ودمار وفوضى للمنازل القديمة والمستحدثة الضيقة والواسعة، وما هو متاح لتلك الامطار النادرة والقليلة الهطول على عدن – قياساً بغيرها من المدن والربوع- من اسباب جمة لحصار المنازل والسكان بالمياه المحتقنة الآسنة والكوارث وتراكم أكوام الرمال والحجارة ومخلفات القمامة ما ظهر منها وما استتر، مورثة الروائح الخانقة وتكاثر الحشرات والهوام الضارة والأمراض والأوبئة القاتلة، ومحيلة الفضاء والارجاء إلى بؤر غبار سائحة تضيق بها الصدور، وتعمي العيون وتصم الآذان.
ـ نعم كم هو مؤسف ومؤلم وغير منطقي البتة ان يجد سكان عدن انفسهم مرغمين على ان يتمنوا على الله ان تنقطع الامزان والغيوم عن سمائهم المكفهرة، وملزمين بأن يستكثروا على انفسهم ساعة برود ولحظات تجلٍّ مع الطبيعة، ومفضلين الحرمان من تجدد ذلك الاخضرار الذي عادة ما كان يملأ ويحيط بمدينة عدن كاسياً هضاب ومنحدرات وقمم جبالها.
وكم يزداد الألم تظاهراً عندما ترى وتضطر إلى التسليم والقبول بأن يصبح هكذا حال هو مصير علاقتك مع أحد أجمل وأمتع مظاهر الطبيعة، وفي مدينة كمدينة عدن التي حباها الله بموقع عبقري يجنح نزولاً إلى البحر الذي يحيط بها وجبالها كالسوار.. عدن التي ميزها تكوينها البديع والمذهل بأن انبتت من البحر ليعلو رأسها في السماء وأقدامها مسدلة أبداً على شواطئها.
عدن التي بسبب تكوينها المدهش ذلك لا تحتاج إلاَّ إلى القليل من الحب والوفاء والعقل والاهتمام والجهد لكي تبقى في مصاف أجمل المدن خَلقاً وخُلقا، ولكي تحوز على كل المحاسن ومنها الرضى باستقبال كل أمطار الدنيا على مدى أيام وأشهر دون ان يرعبها ذلك أو يركسها في الكوارث، أو ان تتحول ممراتها وشعابها وشوارعها واحياؤها كما هو حاصل إلى برك آسنة وسبل موحلة غارقة بالرمال والحجارة التي تسد منافذ ومسالك انتقال وتحرك الناس فيها.
وكل ذلك قد حدث ويحدث لها؛ لا لأنها مدينة حديثة العهد بالوجود، ولا لأنها مدينة تعجز طبيعة تكوينها وتاريخ وجودها عن امتلاك أسهل وأبسط طرق انسحاب مياه الامطار منها بسلاسة وأرقى نظم تصريف مثالية، وإنما لانها مدينة تكالبت عليها الظروف والاحقاد وعدم الاحساس بالمسؤولية فتركت نهباً للعشوائيات التي لم تبقِ على مجرى ماء أو هضبة أو منحدر ولا منفذ هواء ولا فراغ إلاَّ وأثقلته بعجائب فعلها الشنيع والبغيض المدعومة بتوسع دائرة غياب الضمير من قبل معظم القائمين على تصريف أمورها الذين بهم ومعهم تحولت ممراتها إلى مجرد أزقة ضيقة مغلقة وشوارعها إلى حفر وأحواض خربة مسدودة رغم ما هي عليه من علو وانحدار باتجاه البحر يستطيع معه أقل البناة خبرة أن يجدوا منافذ سهلة غير مكلفة لمنع احتقانها بالماء والأتربة كما هو حاصل.
ولهذا تحولت مدينة عدن وستواصل التحول إلى مدينة منكوبة شئنا ام أبينا إلى ان يتم تصحيح البناء العشوائي فيها وإعادة الفراغات والممرات إلى سابق عهدها، وحتى تكون هناك جدية في محاسبة كل من يُعهد إليه تنفيذ مشاريع الرصف والصرف وحتى يتم تطهير كل سفوح ومنحدرات الجبال من البناء والسطو العشوائي المدمر بعيداً عن المحاباة والتمييز والكيل بمكيالين الذي أفسد معنى وقيمة حملات إزالة العشوائيات السابقة على كثرها.
ويا زعيمة جري السنبوق..

زر الذهاب إلى الأعلى