اليمن( غير السعيد)!
(1)
تعتبر اليمن أرض العرب الأولى.. والشعب اليمني هو أصل الجنس العربي، واليمنيون هم أول من تكلم باللسان العربي، وملوكهم أول من لبس التيجان، وُذكرت اليمن في القرآن الكريم، وحملت سورتين من سور القرآن أسماء مناطق فيها (سبأ، الأحقاف), سبأ امتدت من مأرب شمالاً إلى شبوة شرقاً، والأحقاف في حضرموت شرقاً، ووصف الله اليمن بأنها ( جنة، وبلدة طيبة ) ولم يطلق على أي أرض هذا الوصف في القرآن غير اليمن..
واليمن سميت بهذا الاسم لأنها بلاد اليُمن والبركة، أي بلاد الخير الكثير الذي لا ينقطع، وأيضاً بلاد البركة لأنها اشتهرت بإنتاج جميع المواد التي تستخدم في الطقوس الدينية القديمة مثل البخور واللبان… وغيرها قبل وبعد بناء الكعبة، وأضيف سبب آخر هو وقوعها يمين الكعبة المشرفة.
وذكرت اليمن في الكثير من الكتب القديمة والتاريخية، منها التوراة، وكتب التاريخ الإغريقي، والروماني…الخ ووصفها اليونانيون بأرض السعيدة، ولم توصف أي أرض في الدنيا بهذا الوصف غيرها، لتمتعها بوفرة في المياه والخضرة، ولطبيعتها الخلابة، ولأرضها الخصبة التي باركها الله، ولأنها أرض لمعظم الأنبياء، ولتعدد حضاراتها المهمة في تاريخ البشرية، ولدورها وبيوتها وقصورها الفخمة، ولجسارة وقوة شعبها الذي صنع من الجبال قصوراً شامخاً، ومدرجات زراعية في قمم الجبال الشاهقة.
وفي اليمن ظهرت العديد من الحضارات العريقة (كحضارة سبأ، وحمير، ومعين، وقتبان، وأوسان).. ومن اليمن تفرعت العديد من الدول والحضارات بل والقارات لاسيما القارة الإفريقية التي سميت بهذا الاسم نسبة إلى الملك اليمني الحميري” افريقس بن أبرهة بن حارث بن حمير بن سبأ ” الذي غزا إفريقيا وصال وجال فيها وملك مناطق كبيرة منها..
وعن صفات أهل اليمن وردت العديد من النصوص النبوية الشريفة التي تمتدح اليمنيون.. منها الحديث المعروف:( أتاكم أهل اليمن هم أرق قلوباً وألين أفئدة، الإيمان يمان والحكمة يمانية)، وحديث الرسول:( إن الله استقبل بي الشام , و ولى ظهري اليمن, ثم قال لي: يا محمد إني قد جعلت لك ما تجاهك غنيمة ورزقاً, وما خلف ظهرك مددا).
وفي اليمن اشتهرت زراعة البن والعنب والزبيب.. فكان البن اليمني من أجود أنواع البن.. وفي الماضي كان الأقدمون اذا ذكروا اليمن تذكروا حضاراته الشامخة والعريقة، ذكروا مملكة بلقيس ودولة أروى وسيف بن ذي يزن.. ذكروا البيحاني والهمداني والأمير الصنعاني، ذكروا معاذ بن جبل، وأبو موسى الأشعري، ذكروا العنب والنخيل والبن والزبيب.. لكن اليوم مجرد ما تذكر اليمن سرعان ما يتبادر إلى ذهن البعض تلك الصورة القاتمة المظلمة والسيئة.. فبدل البن والعنب بات القات يحظى بالنصيب الأوفر من اهتمام الآخرين.. كذلك الفقر والبطالة والجهل والأمية والثأر والتخلف باتت سمات بارزة تميز الشعب اليمني عن غيره من الشعوب.
(2)
كل يوم أتصفح الأنترنت افتح الجوجل واضغط دايرت على خانة أخبار “اليمن” لعلي أجد ما يسر القلب ويطيب الخاطر من الأخبار السارة، لكن للأسف لا أجد إلا أخبار سوداء في سوداء.. (مقتل، مصرع، تفجير، اعتداء، اغتيال، اختطاف)، انتحار،)؛ لا وآخر تقليعة مقتل وإصابات عدد من المواطنين اليمين بسبب حمار!.
(3)
قبل أيام وأنا أتصفح إحدى الجرائد اليمنية لفت انتباهي عنوان عريض على صدر إحدى صفحاتها (وزارة التخطيط والأمم المتحدة تطلقان تقرير التنمية البشرية في اليمن).. وكالعادة لا جديد سوى ارتفاع معدلات الفقر والبطالة والأمية, فـبحسب دراسات سابقة فإن 31% من أطفال اليمن يعانون الجوع، ومليون طفل يمني يعانون سوء التغذية يواجه ربعهم الموت لانعدام الغذاء.. 10 ملايين يمني أي نصف السكان يعانون نقص الغذاء، 5 ملايين يمني, أي ربع السكان يعانون انعدام الغذاء يومياً، 5 ملايين شخص بحاجة لمساعدات غذائية عاجلة..
اليمن يحتل المرتبة الثانية عالمياً في نقص الغذاء.. ويصنف ضمن أفقر 10 دول في العالم- حسب تقارير التنمية البشرية، 45 % يعيشون تحت خط الفقر بدخل لا يزيد على دولارين، أما في المناطق الريفية فيشمل 75% من السكان..
تقدر نسبة البطالة ما بين 45 إلى 50% وتصل معدلاتها بين الشباب اليمني إلى 53%، وقد أظهر البرنامج مجموعة من الشباب اليمني يقومون بحرق شهاداتهم الجامعية احتجاجا على عدم تمكنهم من الحصول على فرص عمل.. نحو 48% من سكان اليمن ليس لديهم إمدادات مياه نظيفة أو صرف صحي مناسب.. أما التعليم؛ فيفتقر 300 ألف طفل يمني للتعليم، 20 % من أولياء الأمور أخرجوا أولادهم من المدارس ودفعوهم للعمل ليأتوا بما يسدون به الرمق.
ويوضح التقرير أن القدرة الشرائية للمواطنين تراجعت بنسبة كبيرة وارتفعت الأسعار بنسبة 32%.
كما أفادت دراسة يمنية مستقلة بأن نحو 2% من سكان اليمن يملكون 80% من الموارد (دخل البلاد) وهو رقم إقطاعي مخزٍ يتجاوز أي وصف أو تعليق.
وبحسب التقرير الصادر عن وزارة التخطيط وصندوق الأمم المتحدة مؤخراً فإن نسب الوفيات في بلادنا في صفوف الأطفال والأمهات هو الأعلى عالمياً.. وان معدل السكان يعد من أعلى المعدلات العالمية، وهذا يعود بحسب التقرير إلى الزواج المبكر وارتفاع معدلات الخصوبة.. فاليمنيين ما شاء الله الصلاة على النبي يتزوجون في سن مبكر، رغم الفقر وقلت ذات اليد إلا أنهم يعملون بالحديث ” تزوجوا فقراء يغنيكم الله” ولم يكتفوا بذلك ,بل أول ما يتزوج اليمني يبدأ يبحث عن الأولاد والذرية الصالحة، فلم يكتفي بطفل أو طفلين بل لازم ينجب عشرة وعشرين حتى يباهي به الرسول الأمم يوم القيامة.
(4)
لقد غابت اليمن عن كل شيء جميل وحسن، وحضرت في كل ما هو سيء وقبيح للأسف الشديد وصار ” اليمن السعيد” وصفاً يطلق جزافاً على اليمن الذي كان سعيداً منذ أمد بعيد، لكنه الآن بات بعيداً كل البعد عن السعادة التي يأملها اليمنيون بكافة انتماءاتهم وجغرافياتهم مترامية الأطراف.